مع تحديد آلية الاتحاد الافريقي رفيعة المستوى الأحد المقبل لبدء الاجتماع التحضيري التشاوري للحوار بين الحكومة السودانية وقوى المعارضة بشقيها السياسي والمسلح تفتح نافذة جديدة في ماراثون الحوار الوطني خاصة وأن الدعوة تستهدف إجراء مشاورات حول العملية والمسائل الإجرائية المتعلقة بالحوار الوطني، وينتظر أن يشارك في الاجتماع التحضيري المرتقب إلى جانب مندوبين من الحكومة السودانية رئيس حزب الأمة الصادق المهدي، الذي تم تفويضه من قوى المعارضة السياسية، وممثلون للجبهة الثورية التي تنتظم تحت لوائها فصائل دارفور المسلحة والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال.
ويرى مراقبون أن المؤتمر التحضيري المزمع عقده بأديس أبابا هو محاولة لحث هذه القوى المعارضة على تبني مواقف إيجابية من الحوار الوطني وتقريب وجهات النظر بينها وبين الحكومة في إطار خارطة الطريق المقترحة من الاتحاد الأفريقي.
ويركز اللقاء التحضيري في الأساس على كيفية تحريك عملية الحوار والاتفاق على الإجراءات التي تمكن الأطراف من الدخول في حوار جاد والتفاوض لحل إشكالات مناطق النزاع وتحقيق مطلوبات الحوار المتمثلة في “تحقيق السلام والوحدة الوطنية، الإصلاح الاقتصادى، الحقوق والحريات الأساسية، الهوية الوطنية، المراجعة الدستورية والحوكمة”.
مرجعية الحوار
ويمثل قرار مجلس السلم والأمن الأفريقى الصادر في سبتمبر من العام الماضي مرجعية أساسية في جهود الأتحاد الأفريقي لتحقيق السلام في السودان، ووجد القرار قبولا من الحكومة بعد مقابلة رئيس الآلية الرفيعة ثامبو أمبيكى الرئيس البشير في وقت سابق، ولعل القرار نفسه رحب بخطاب رئيس الجمهورية في يناير 2014م بخصوص مبادرة الحوار، وأمن على مؤشرات الخطاب حول الحوار الوطني على أساس تحقيق السلام والوحدة الوطنية، الإصلاح الاقتصادي، الحقوق والحريات الأساسية، الهوية الوطنية، المراجعة الدستورية والحوكمة، وتبنى القرار الدعوة لتحقيق تسوية شاملة وعادلة ودائمة للنزاعات المسلحة والمشاكل السياسية الأخرى التي تعاني منها البلاد.
واعتبر دكتور حسين كرشوم الخبير الاستراتيجي عضو الوفد الحكومي المفاوض حول قضايا المنطقتين أن الحوار التحضيري في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا يمثل المخرج خاصة وأنه يعتمد الحوار الوطني المطروح من قبل رئيس الجمهورية كأساس للتسوية السياسية الشاملة، لكنه انتقد إقحام المعارضة ودعوتها لتأجيل الانتخابات باعتبار أن الاتفاق في برلين لم يقر ذلك بجانب تمسك المعارضة بإشراك فعاليات منظمات المجتمع المدني بفروعها المختلفة وهذ ما تراه الحكومة تعويقا لمسار الحوار الوطني خاصة وأن بعض هذه المنظمات مرتبط بعلاقات مع منظمات خارجية تكن العداء للسودان.
مواقف إيجابية
سارعت دول الترويكا ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والنرويج إلى إعلان ترحيبها بموافقة الحكومة السودانية والمعارضة على المشاركة في مؤتمر الحوار التحضيري المزمع عقده بأديس أبابا الأسبوع المقبل، في وقت أعلن فيه حزب المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي مباركته للمشاورات المرتقبة، وقال مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب بشير آدم رحمة إن موقف المؤتمر الشعبي يستند على مبدأ رفض الحوار بالخارج واستدرك بالقول: “لكن إذا كان ملتقى أديس يمهد لترتيبات الحوار الداخلي ويسهم في كسر حاجز انعدام الثقة فنحن نقبله لكن لن نشارك فيه”.
ولم يستبعد رحمة أن يبعث حزبه بممثلين إلى أديس للقاء الحركات المسلحة ومحاولة إقناعها بالمشاركة في الحوار الداخلي والعمل على تيسير مجريات المؤتمر التحضيري بعقد مشاورات جانبية، وشدد على أهمية مشاركة قادة الفصائل المسلحة في الملتقى المرتقب بدلا عن تفويض جهات بعينها لحضوره، وأوضح أنهم سيدفعون بذات المقترح للآلية الأفريقية تلافيا لأي انتكاسة محتملة للحوار التمهيدي.
وأعلنت الحركات المسلحة المنضوية تحت مسمى (الجبهة الثورية) موافقتها على دعوة الوساطة الأفريقية للحوار مع الحكومة في أديس بابا حول الملتقى التحضيري المزمع انعقاده وفق في مساع أفريقية للوصول إلى تسوية سياسية شاملة لأزمات السودان.
كبير المفاوضين في الجبهة الثورية (أحمد تقد لسان) قال إن الجبهة الثورية ستطرح في المؤتمر التحضيري القادم ما تم الاتفاق عليه مع حزب الأمة وقوى الإجماع الوطني في وثيقة برلين. وأشار (تقد) إلى أن المفاوضات حول القضايا محل النزاع هي أساساً المفاوضات السياسية بين كافة الاطراف ويمكن الاتفاق على ترتيب الأولويات في قضايا التفاوض.
وكشف حزب الأمة القومي عن موافقة قوى (نداء السودان) على المشاركة في المؤتمر التحضيري المزمع بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا برعاية الوساطة الأفريقية دون شروط مسبقة باستثناء انعقاده قبل الاقتراع في الانتخابات الجارية، وأكد الحزب التزام جميع قوى (نداء السودان) بالمشاركة في الحوار داخل السودان في حال توصل المؤتمر التحضيري لاتفاق حول كيفية عقد المؤتمر الدستوري.
تسوية سياسية
ثمة تحول إيجابي على إجراء تسوية سياسية شاملة لحل قضايا السودان في مسار واحد من خلال المؤتمر التحضيري للحوار الوطني، وفي هذا الإطار يرى كرشوم أن اقتناع قوى المعارضة بالحوار الوطني في اتفاق برلين يمثل بارقة أمل جديدة للتوصل إلى خطوط التقاء بين الفرقاء السودانيين في مائدة وطنية تضم كافة ألوان الطيف السياسي والعسكري على حد سواء.
ولعل المتابع للأوضاع السياسية يلحظ التحول الكبير للمعارضة من خندق الممانعة والتقارب بأي شكل مع الحكومة بل في كثير من الأحيان ظلت المعارضة تخطط وتمهد من أجل إسقاط الحكومة.
ولعل الجديد حسب “مراقبين” في نداء برلين هو اتفاق قوى (نداء السودان) على إجراء تسوية سياسية شاملة لحل قضايا السودان في مسار واحد، لكن يبدو وفقاً للمراقبين أن هناك مبررا آخر يضاف إلى مبررات محاولة حزب الأمة وهو استمرار بقاء المهدي لفترة إضافية في الخارج وربط عودته بما سيتم إحداثه من اختراق إيجابي في مسار المؤتمر التحضيري.
ويظل التحول في مواقف المعارضة تطورا إيجابيا يصب في خانة إمكانية التقارب بين الحكومة والمعارضة بشقيها المدني والمسلح، وتعول قطاعات واسعة من المجتمع السوداني على إنجاح المؤتمر التحضيري، باعتبار أنه يمثل فرصة جديدة لإحياء الحوار الوطني المتعثر إذا ما استثمرت القوى السياسية الجهود الدولية والمحلية الملحة لإنجاحه بشكل فاعل، بجانب أن هناك رابحا أكبر هو الشعب السوداني إن خلصت النوايا
صحيفة اليوم التالي