ارتبط مصطلح (الباع شبابو) بطريقة الركوب في البكاسي قديما، حيث كان الشاب يفضّل ان يتشارك مع الكمساري الشعلقة على السلم عندما تمتلئ العربة بالركاب، بدلا عن الانتظار لاجل غير مسمى حتى تصل عربة اخرى، وترمز هذه التسمية للمخاطر التي يتعرض لها الشاب وأبسطها أن يتحول جسده لـ (كريمة) بين قطعتي بسكويت محشي، اذا ما توقفت العربة فجأة عن السير دون أن ينتبه لذلك سائق العربة التي تسير خلفه ببضعة سنتمترات .. أما حديثا بعد اختفاء البكاسي والدفارات من خطوط المواصلات، وانحصار حركتها على الطرق التي تربط بين القرى والحلال حيث لا زحمة مرور ولا يحزنون، فيمكن تحويل المصطلح ليطلق على من يبيع شبابه لمن تملك السلطة والثروة ولو كانت عجوز في السبعين، بعد أن تحولت دعوات العزاب منهم (يا رب عربية ومرة غنية) ..
لا اعتقد بأن هناك امرأة قبيحة فلكل أنثى جمالها الخاص الذي لا يقدره إلا من يعرف قدرها، ولذلك نقول في المثل (كل فولة وليها كيّال)، ظهر هذا التهافت من الشباب على الزواج من النساء الغنيات سواء أن كن ثيبات أو أبكار مبروكات، على السطح مع تزايد خدمة طالبي العفاف التي توفرها الوسائل الاعلامية فكثيرا ما تنحصر شروط طالبي الزواج على أن تكون المرشحة غنية وتمتلك بيتا وعربية، أما سنها وحالتها الاجتماعية والنفسية والشكلية فتأتي في الدرجة الثانية من الاهمية .. هو كمان عندو نفس يتشرّط ؟ّ!
قد يقدم الشاب على الزواج ممن تتفوق عليه ماديا واجتماعيا وربما خرجت للدنيا قبله بعدة عقود، هربا من العوز والمستقبل المظلم والذي قد لا يلوح فجر الفكاك من فلسته إلا بعد أن يهن العظم ويشتعل الرأس شيبا، ولكن يتناسى هذا الشاب انه عندما يبيع شبابه فانه وفي نفس الوقت يبيع كرامته وقوامته واحترامه في عين الزوجة والنسابة ويتحول في نظرهم لمجرد ديكور يكمل صورة ابنتهم الاجتماعية.
– اخترقت الرقشة شوارع تلك الضاحية الارستقراطية الهادئة لتقف أمام فيلا كبيرة انجليزية الطراز، ونزلت منها (محاسن) وشقيقاتها برفقة قريبتهم (رجاء)، حيث جاءت معهن عقب حضورهن من البلد لزيارة شقيقها (مبارك) المقيم مع نسابته، ومباركة زواجه الذي تم قبل بضعة أشهر ولم يتمكن من حضوره ..
ضغطت (رجاء) على زر الجرس بضعة مرات وعندما لم يحضر أحد لفتح الباب بدأن بالطرق على الباب بحصاة .. بعد بضع دقائق من الانتظار دفعت (محاسن) الباب بأريحية أهل البلد فانفتح ببساطة .. دخلن بتردد ليفاجأن بوجود مجموعة من الشباب في سن المراهقة يجلسون في الحديقة على النجيلة الخضراء غير بعيد عن الباب ومن المؤكد أن طرقاتهن قد (فاتت قعر أضنينهم)، تبينت (رجاء) من بينهم شقيق زوجة أخيها الشاب فسألته عن (ناس البيت)، فاكتفى باشارة من أصبعه ناحية المدخل مصحوبة بنظرة (زهللة) وتوهان وكأنه في دنيا تانية !
دفعت (محاسن) باب الهول ودخلت البقية خلفها يصفقن وينادين على أهل الدار:
سلام عليكم يا ناس البيت .. كيف حالكم يا ناس هوي ؟
ولكن لم يتلقين رد سوى صدى أصواتهن الذي رددته الجدران (مكابرة) لوحشتهن .. استمرت المجموعة في السير للداخل عبر بوابات تفضي إلى صالات إلى صالونات بعضها داخل بعض، حتى وصلن لمطبخ كبير فاق حجمه حجم ديوان شيخ الحلة الفي البلد، وهنا خرجت للقياهم سيدة كبيرة في السن وإن بان التباين الشديد بين كرمشة وجهها وبين فستانها الاخر موضة، وتسريحة شعرها المجموع في شكل كعكة مربوطة بـ (باندا بمبية) !
تقدمت منهم السيدة ومدت يدها لمصافحتهن من بعيد رغم محاولة (رجاء) لبث روح الود في سلامها البارد وهي تعرفهم عليها بأنها نسيبة أخيها ..
دعتهن السيدة للجلوس باشارة من يدها على مجلس بالقرب من المطبخ، وبعد السلام وشيء من الكلام سألنها عن ابنتها عروسة ابنهم ليباركوا لها، فأعتذرت بأن زوج ابنتها (مبارك) غير موجود أما الابنة فـ نائمة بسلامتها ولا تستطيع أن توقظها من النوم لأنها تعاني من الوحم !!
بعد مشقة شديدة في ابتلاع العصير بسبب الغصة غادرت (رجاء) مع (محاسن) وشقيقاتها بنفس متاهة الطريق، وما أن وسقطت على وجوههن الشمس واذابت من قلوبهن ثلج (الاحراج) حتى صفقت (محاسن) بيديها وهزت رأسها بحسرة:
الخلا علي مبارك الباع شبابو بالذلة والمهانة