درجت الإنقاذ منذ مجيئها على اختيار وزيرات وفق معايير تم التركيز فيها على الولاءات التنظيمية والسياسية ولهذا السبب خلت كل التعديلات الوزارية في تلك الفترة من ذوات التخصص والخبرة والوزيرات التكنوقراط، ودفعت السلطة وقتها بجملة من المبررات لم يكن بعضها مقنعاً للمتابعين لمعايير الاختيار، وفيما بعد عهد الانفتاح وعلى الأحزاب دخلت وزيرات من تنظيمات أخرى ضمن معادلة الاختيار، وتوالت تنظيماتها مع الحزب الحاكم.
هذا المنهج سلط الضوء على أسماء معينة من خلال اختيارهن كوزيرات في الحكومات الاتحادية والولائية ومن بين تلك الأسماء كانت هناك عدد من الوزيرات اللائي وجدن أنفسهن فجأة وسط هالة من البريق وضمن قائمة الشخصيات السياسية العامة، لكن قبل أن ترسخ هذه الأسماء في الأذهان يتوارين عن الأنظار ومن بينهن كانت “إحسان الغبشاوي” و”سامية هباني”، و”رجاء حسن خليفة”، “هبة محمود”، “عزة عوض” ولا يعرف الناس كيف تم اختيارهن ولماذا أبعدن أو ابتعدن عن الوزارة.
وزيرات كثر ارتبطن بمسيرة الإنقاذ وتجربتها في الحكم كان من بينهن دكتور “إحسان الغبشاوي” التي شغلت منصب وزير اتحادي لوزارة الصحة في منتصف التسعينيات تقريباً، و”سامية أحمد “لتي عملت كوزير لوزارة الرعاية الاجتماعية لمدة عشر سنوات، و”سناء حمد العوض” وزيرة الدولة بوزارة الإعلام السابقة. وبحسب حديث أحد المقربين من التنظيم فضل حجب اسمه أن “سناء حمد” تعتبر من النساء الموثوق فيهن في حزب المؤتمر الوطني واختيارها أقرب أن يكون من تنظيم الحزب الحاكم (الحركة الإسلامية) من اللائي يتم اختيارهن لشغل مناصب وزارية بحكم الشراكة السياسية أو التخصص، اختيرت لمنصب وزيرة دولة بوزارة الإعلام وكانت وفق شهادة أغلب المتابعين لمسيرتها أنها استطاعت تحقيق بعض النجاحات، رغم ذلك تم إعفاؤها من هذه الوزارة بعد اختلافها مع وزير الإعلام السابق “عبد الله مسار” حول مدير (سونا). وقد تكون “سناء” وقتها دافعت عن رأي تنظيم الحركة الإسلامية لكن حساسية الموقف قد يكون هو الذي أطاح بها، بعدها ابتعدت إلى حين وراج بعد مؤتمر الحركة الإسلامية الثامن أن “سناء” تريد مغادرة السودان وتعزز هذا القول بعد أن أقدم حزبها على إبعاد بعض التنفيذيين النافذين، بحجة أنهم بادروا بإخلاء مناصبهم لإفساح المجال لآخرين إلا أنها عادت من جديد إلى وزارة الخارجية بتعيين سياسي كانت مديرة لإدارة تعني بالقضايا الدولية وأحياناً تقوم بمهام وكيل الخارجية “عبد الله الأزرق” عند مرضه، الآن تشغل منصب مدير عام العلاقات الثنائية والدولية ربما على خلفية دراستها المرتبطة بالعلوم السياسية التي قادتها للتبحر في دراسة علاقات السودان ببعض الدول الغربية خاصة أمريكا .
شملت قائمة الوزيرات المغادرات للوزارة أصغر وزيرة وهي “عزة عوض” التي لم تبقَ في موقع الوزارة سوى سبعة أشهر تقريباً.
هذا على المستوى الاتحادي وعلى المستوى الولائي تحفظ الذاكرة السياسية أسماء وزيرات من بينهن “سامية هباني” التي كانت تشغل منصب وزير بوزارة الشؤون الاجتماعية والثقافية بولاية الخرطوم، الآن انتهى بها المطاف إلى الانضمام لحركة الإصلاح الآن بعد أن أبدت بعض الآراء حول حزبها القديم المؤتمر الوطني، وقدمت استقالتها من عضوية البرلمان المرتبطة بالمؤتمر الوطني. و”رجاء حسن خليفة” التي كانت وزيرة للشؤون الاجتماعية بولاية نهر النيل وتولت منصب الأمين العام لاتحاد المرأة لعدة سنوات، ومن ثم اختيرت مستشارة لشؤون الطفل برئاسة الجمهورية والآن لم يتم استيعابها في أي موقع سواء كان تنفيذياً أو تنظيمياً.
“إحسان الغبشاوي”: لم أكن سعيدة بالوزارة
الدكتور “إحسان الغبشاوي” كانت أول وزيرة اتحادية للإنقاذ شغلت منصب وزير دولة بوزارة الداخلية، وكما حدثتنا “إحسان” أنها كانت قبل ذلك موظفة بمعتمدية اللاجئين حتى العام 1994 ثم تم ترفيعها إلى معتمد بمعتمدية اللاجئين. وقالت كنت أول امرأة أحتل هذا الموقع على مستوى الشرق الأوسط.
في عام 1995 أصدر مجلس الوزراء قراراً عينت بموجبه وزير دولة بوزارة الداخلية بجانب معتمد اللاجئين، وتاريخياً معتمدية اللاجئين كانت تابعة لوزارة الداخلية وكان من الطبيعي أن يصرف وزير الداخلية مسائل اللاجئين المرتبطة بمواثيق دولية وعمل سري وفي إطار تقوية اللاجئين.
بعد ذلك جاء التعديل الوزاري الكبير في العام 1996 وعينت وزير للصحة الاتحادية ولم استشر تلقيت الخبر من التلفزيون عندما سمعت أن هناك بياناً هاماً جلست لمتابعته وفي نهاية أسماء الوزراء أذيع اسمي. لم أكن سعيدة بالمنصب لأنني كنت خريجة آداب لغات لا علاقة لي بالصحة ولم أحلم بأن أكون وزيرة (ولاقيت) “البشير” ببكي وقلت له دي مسؤولية أمام الله ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه. وأذكر أنني يوم أداء القسم خرجت من منزلي في وقت مبكر حتى أتمكن من مقابلة الرئيس، ولا أدري حينها الموازنة التي جاءت بي إلى المنصب لكن قيل لي أإن المنصب سياسي لا علاقة له بالتخصص والوكيل سيكون من المتخصصين، حينما أدركت أن الباب مغلق أمام تقديم الاستقالة قبلت وقمت بمراجعة الوثائق منذ تأسيس الوزارة وتعرفت على نوعية المشاكل فيها وكنت أعود إلى البيت عند الساعة العاشرة مساءً وأنا أرملة وأولادي محتاجين لي، وكونت مجموعات استشارية كانوا نعم السند. وفي عهدي كانت فكرة أيلولة المستشفيات الاتحادية إلى الولائية والمراكز المتخصصة، قضيت قرابة العامين ثم انتقلت كأمين عام لاتحاد المرأة السودانية وبعدها أصبحت رئيسة للجنة تنمية المجتمع في المجلس الوطني. ظليت لعام وحينما قام الرئيس بحل المجلس الوطني حلت اللجان فاتجهت من ذاك الوقت إلى العمل الطوعي في الاتحاد النسائي الإسلامي ومازلت.
أميرة الفاضل: غادرت الوزارة في الوقت الذي يناسبني
هناك ثمة علاقة بين الوزيرات ووزارة الرعاية والضمان الاجتماعي منذ “سامية أحمد” إلى “مشاعر الدولب” التي تشغل المنصب الآن،وكما أشارت “ميرة الفاضل” في حديثها لـ(المجهر) أن الاختيار كان يتم من داخل الحزب المؤتمر الوطني ومن قبل رئيس الجمهورية. وقالت كنت وقتها وزيرة للثقافة والشؤون الاجتماعية لولاية الخرطوم، بعدها تم اختياري كوزير اتحادي خلفاً لـ”سامية أحمد محمد”. استلمت الوزارة في يونيو 2010 بالمسمى الجديد وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي وهي من الوزارات الأساسية كبيرة جداً من حيث الاختصاص، حيث تختص بكل الشأن الاجتماعي وشأن الأسرة والطفل والمرأة وصناديق الضمان الاجتماعي والمؤسسات المعنية بأمر التكافل والطفولة والسكان والمعاقين ومصرف الادخار والتنمية الاجتماعية.
و”أميرة” قالت لم أتوقع تعيني وزيرة اتحادية لم يكن في بالي أن أصبح وزيرة اتحادية وكل الإرهاصات كانت تتحدث عن استمراري كوزيرة لولاية الخرطوم لكن تفاجأت أنه تم اختياري من قبل الولاية لأكون وزيرة اتحادية. وأتيت ولدي علاقة مع الوزارة امتدت لأربع سنوات، فالملفات لم تكن جديدة علي
كذلك كنت أمينة عامة لمجلس الطفولة لمدة ثلاث سنوات والمجلس كوحدة تابعة للوزارة من خلاله تعرفت على عملها بإشراف الأخت “سامية” وبعدها انتقلت لولاية الخرطوم لمدة عام.
والحمد الله أنا راضية عن فترة الثلاث سنوات التي قضيتها كوزيرة اتحادية وأعتقد أني عملت إنجازاً وإضافة ولا أنسبه لنفسي وإنما لكل الاسطاف الذي عمل معي كمديرين للإدارات والوحدات، العمل كان يتم في شكل تيم وكان هناك تجانس بيني وبين العاملين في الوزارة وقاد إلى محصلة الإنجاز.
ونفت “أميرة” وجود تحديات شخصية، وقالت أكبر التحديات التي كانت في فترة وجودي في الوزارة كانت مسألة رفع الدعم عن المحروقات، وهذا قرار اقتصادي وجزء من البرنامج الثلاثي للإصلاح الاقتصادي، وكان لابد أن يصاحبه برنامج اجتماعي يمتص أثره على الفئات الضعيفة. وهنا كان التحدي وأثيرت القضية وقتها والإعلام دوره كان إيجابياً ونحن كوزارة طرحنا حينها برنامج الحزم المتآزرة لدعم الفقراء وكان برنامجاً متكاملاً فيه دعم عيني ونقدي وتوسيع فرص العمل وتوفير بطاقة للتأمين الصحي للفقراء، وتحسين مأوى ودعم مخصص لشرائح المعاقين. وكانت تجربة الدعم النقدي المباشر جديدة، جربت في بداية التسعينيات مع تجربة التحرير الاقتصادي التي بدأها “عبد الرحيم حمدي” لكن توقف وأنا أعدته كمقترح ضمن حزمة لم يعرف تفاصيله الناس فيه جزئيات متعددة، الدعم النقدي كان يمثل جزئية والمشكلة كان محتاجاً إلى ميزانيات مقدرة من وزارة المالية الاتحادية. وهذه الجزئية هي التي أثارت خلافاً بيني ووزير المالية السابق “علي محمود”.
وأكدت “أميرة” أن السيد الرئيس كان داعماً للمشروع عكس ما كان يتداوله الناس وهو الذي طلب من الوزارة تقديم مقترح. وقالت نحن قدمنا المبادرة بناءً على طلب الرئيس ونوقشت في القطاع الاقتصادي للحزب وأجيزت الحزمة، أيضاً في مجلس الوزراء لم يكن هناك خلاف حولها والمالية كانت معذورة في الموقف الذي اتخذته وقتها لأن أمامها مهام متعددة والميزانيات محدودة وأنا عذرت وزير المالية في موقفه لكن لم أوافق عليه، لأنه لم يكن هناك طريق غير تطبيق هذا المشروع حتى يخفف الصدمة على الشرائح الفقيرة التي تأثرت فعلاً برفع الدعم عن المحروقات. بعد ذلك المجلس الوطني عضد موقف الوزارة وتمت إجازة الميزانيات المطلوبة بصورة كاملة.
ولم أخرج من الوزارة غاضبة أو مغاضبة بالعكس عندما خرجت كان هناك رضاء تام لأدائي من قبل الحكومة والحزب، ولمسته في جوانب كثيرة وما رشح لا يتعدى التكهنات.
وسبب خروجي كان لظروف خاصة وأعتقد خرجت في الوقت المناسب الذي يناسبني وبعد ذلك واصلت عطائي في مركز دراسات المجتمع وموجودة في الحزب كنائب رئيس لقطاع العلاقات الخارجية ورئيس لمجلس إدارة بنك الأسرة، العطاء مستمر لكن الناس حاولت تجد أسباباً أخرى.
والمرأة مهما بلغت من وظائف سياسية تظل الأولوية الأولى للأسرة فهي مقدمة على أي وظائف سياسية.
وهذا ما جعلني أخرج لكن أداء أخواتنا الوزيرات، متميز “مشاعر” و”سعاد” و”إشراقة” و”تهاني” و”سمية” و”تابيتا”، وتربطني بهن علاقات خاصة وشخصية وقبلهن ظلت “سامية أحمد” (10) سنوات في الوزارة والأداء كان متميزاً فهن يشعرن بعبء كبير ويعملن لينجحن.
بالنسبة لي التجربة كانت صعبة لكن تعلمت منها كل الذين عملوا معي كانوا لي، موضوعات الوزارة نفسها شكلت إضافة لشخصيتي وأعطتني أبعاداً جديدة لمعرفة المجتمع السوداني والتحولات والمشكلات الموجودة فيه، ومن خلال عملي في الوزارة وضح لي الدور الذي يلعبه المجتمع نفسه فهو ما يزال يحمل عبئ المعالجات الاجتماعية من خلال المؤسسات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الطوعية التي تساهم في حل مشاكل المجتمع وتعضد أدوار الدولة. أنا راضية عنها بإيجابياتها وسلبياتها لا يوجد كمال، وإذا حاولنا قياس الإيجابيات والسلبيات أقول إن الإيجابيات كانت أكثر.
بالنسبة للأسرة كلها كانت داعمة لتجربتي ومازالوا
عندما غادرت الوزارة كنت متأكدة أنني سأعود، كنت محتاجة لفترة أرتب فيها أوضاعي وظروفي الخاصة وبعد أن تم ترتيبها عرضت علي عدة وظائف مادون الوزارة، وأنا اخترت المركز لأني خريجة علوم اجتماعية وأجد نفسي في العمل الاجتماعي. وشعرت أن أقرب شيء لنفسي مركز دراسات المجتمع وأنا كنت على علم بما يدور فيه ويقدمه من نشاطات وكانت فيه “مشاعر” لفترة طويلة وهي من المؤسسين و تربطني بها علاقة وطيدة.
“عزة عمر”: توقعت الإعفاء لكن ابتعدت برغبتي
“عزة عمر عوض” خريجة هندسة كهربائية جامعة السودان، تقلدت منصب وزير دولة بوزارة الاتصال وكان عمرها (32) عاماً وقضت في المنصب سبعة أشهر.
بعد الاختيار راجت كثير من الروايات كان من بينها أن اختيارها تم بواسطة “سامية أحمد محمد” وكانت غير مقصودة بالمنصب، لكن “عزة” دافعت في حديثها لـ(المجهر) عن دواعي اختيارها وأقرت بأن “سامية” كانت أمينة المرأة في الحزب ومعنية بتقديم الترشيحات. وقالت كانت متفاجئة نعم لكن كان لديها الحد المعقول من الخبرة.
وبعد ذلك غادرت برغبتها عندما طرحت فكرة تقليص الوزراء لدواعي التقشف فبادرت في التخلي عن المنصب. وفي إحدى حواراتها بعد مغادرتها الوزارة أبدت رضاها عن تجربتها كوزيرة لكنها قالت كانت عبئاً ثقيلاً وكانت متوقعة الإعفاء وعند الإعفاء كأنه (شالوا منك جبل) ورفعوه عن كاهلك لذلك كنت سعيدة . “عزة” انتقلت إلى مركز متخصص في الإعلام الإلكتروني يقوم بأدوار شبيهة لأدوار وسائل الإعلام والصحف تحديداً، واعتبرت أن انتقالها له جاء في إطار أنها المؤسس لفكرته إلا أنها لم تستمر طويلاً فيه كذلك. وقبل شهر وزع المركز دعوات لحفل وداع الأستاذة “عزة” التي قيل إنها ستنتقل إلى مهمة مختصة بالتربية والتعليم الإلكتروني أو كما قالو موزعو الدعوات، فيما قالت لنا عبر الهاتف إنها في مرحلة تقييم وهناك مشاريع كثيرة لكنها لم تحدد وجهتها بعد.
المجهر السياسي