دعوة (ربنا يتم ليك على خير) قد لا يفهم البعض فحوى معناها بل يمر عليها مرور الكرام، لكنها تعني إتمام الفرحة دون أية منغصات أو فلنقل (عوارض) حتى اكتمال ليلة العمر في قمة بهائها، ولكن دعونا نقف عند معظم هذه (العوارض) عندما تتموقع في مربع المشكلات التي تتحدث عنها (حبوباتنا) من معتقدات وأساطير باعتبار حدوث أي شيء يعرقل حركة سير موكب الفرح يعد نوعاً من العوارض، أو ما يعرف بالـ(الكُج)، لذلك نجد أن الكل يعزف على نغمة واحدة بالدعاء لإكمال الفرح وتسخير الظروف، لكن رغم ذلك دعونا نرى بعض العراقيل عن قرب.
الذهب والرقم الوطني
عند ذهاب العروس لاستئجار أغراضها درجت العادة في الكوافير أخذ (الأمنية)، وهي عبارة عن عهدة تؤخذ على سبيل التأمين من الزبائن حتى لا يحدث أي مكروه لأحد الأشياء المستأجرة سواء أكان فستان زفاف أو خطوبة، وإن ضاعت واحدة من الأشياء تستعيض مالكة الكوافير بشيء ذي قيمة، حيث كان في السابق يأخذ أصحاب الكوافير (الجنسية السودانية) أو (الرقم الوطني)، ولكن في الوقت الراهن تغير الوضع لأخذ (أي نوع من الإكسسوارات الذهبية).
فال سيئ
عندما تتعرض العروس أو العريس لأي موقف قد يعرقل مسيرة الزواج، فهذا يعتبره البعض نوعاً من العين أو الحسد مما يجعل الكل وتحديداً كبار السن يلجأون للعديد من قصص الأسطورية والواقعية التي تؤكد الحادثة.
أشياء معرقلة
وهناك الكثير من المآسي التي تحفظها ذاكرة الأحداث المجتمعية التي تحدث أثناء التحضيرات لمناسبة الزواج أو الخطوبة أو عقد القران، منها مثلاً تعرض العريس أو العروس لوعكة مرضية مفاجئة أو ضياع أشياء خاصة بالعروسة التي انتقتها بعناية فائقة وبين رمشة عين يأتي لص يستولى على (شيلة) عروس قبل زواجها بأيام معدودة لتدخل العروسة في حالة نفسية سيئة، وهناك قصة تحكي تفاصيلها عن لص آخر بدد أحلام عريس على أعتاب الزواج واستولى على شبكة اشتراها بمبلغ (10) آلاف جنيه تأهباً للزواج، وقد اشتري العريس (دبلة وخاتم وإسورة) من الذهب ليجد نفسه في ورطة الزواج، وهناك قصة العروس التي أصيبت بهستريا عصبية مجرد أن قامت بقياس ملابس (الشيلة) واستمر معها المرض العصبي إلى فترة طويلة، إلى أن تعالجت على يد أحد مشايخ الطرق الصوفية.
فأل شر مستطير
ومن الاعتقادات الرائجة وعند حدوث حالة من الجفاف المالي و(الفلس) سرعان ما يشرع الكل إلى أن العروس (كراعا يابسة)، ولا يفوتنا بالطبع أن هناك (عروسات ذوات أرجل لينة).. ثم أن الطامة الكبرى تمتد إلى وفاة أحد المقربين جداً من العروسين والذي يجعل سياط الكلام تصيب الطرف الآخر خصوصاً العروس، والتي قد يحدو بالأهل مطالبته بطلاقها بدعوى أنها (ستيبس) عليه حياته. ويطلق على سبيل السخرية والتندر أن (العروس كراعا حارة مكواة).
والله القسمة ما معروفة
رغم والوعود والأحلام التي يرفل فيها الطرفان، إلا أن يد القدر قد تحمل مما لم يكن في الحسبان.. فالكثير من الزيجات التي تمتد إليها يد القدر ليصبح أحدهما بين غمضة عينٍ وإنتباهتها شريكاً لشخص آخر.. لم يجمعك به أي حلم أو أمنية خصوصاً في المجتمع السوداني الذي يتدخل في كل كبيرة وصغيرة تحبط كل الخطط التي تخص اثنين فقط لا أكثر، ابتداء من تفاصيل (سد المال) و(فطور أم العريس) وخلافه.
إخفاء العروس
وفي رأي البروفيسور “علي بلدو” طبيب الصحة النفسية: إن الزواج بين العيدين في السودان ارتبط تاريخياً بالعديد من الأساطير والخرافات التي منها الاعتقاد وسوء الطالع وهي لا تخرج عن كونها (أسبار الزواج) ويسيطر الاعتقاد لدى الكثيرين في المناطق الزراعية والرعوية التي انتقلت للمدن بكثرة الحراك الاجتماعي والتداخل السكاني الذي أدى إلى ظهور مدن منحرفة على حد وصفه، وأضاف أن العروس بمجرد خطبتها وبداية مراسم الزواج والتحضير له من شراء مستلزمات من الأسواق يسود لديها ولأسرتها اعتقاد بأنها ستصاب بالعين الحسد والسحر والمس والعوارض، وتلجا الأسر إلى الإسراع في قيام مراسم الزواج وذلك بالتقليل من النفقات وتيسير الأمور من تقليل مهر وإخفاء تفاصيل الزواج عن بعض الأشخاص من ذوي العين الحارة المشهورين بالنميمة (الكج)، هذا بالإضافة إلى حرص الأسرة على عدم ضياع مستلزماتها باعتبار أنه فال سيئ ونذير شؤم، ويقول دكتور “علي بلدو” إن هذه النوازع النفسية والاتجاهات السلوكية تؤدي إلى تزايد نسبة التوتر والقلق والخوف والتوجس والعدوان والعدوانية والأرق الليلي والإرهاق الاجتماعي، وهذه جميعها تؤدي إلى مضاعفات خطيرة منها الشعور بالكآبة ورفض العريس وتغير وتغلب المشاعر والأحاسيس كما تؤدي في درجات متقدمة للإصابة بحالة نفسية طارئة تسمى بــ(ذهان شهر العسل)، وهذا النوع يصيب ثلاث عرائس من كل عشرة، وفي ختام حديثة أكد “بلدو” على أن الزواج يعتبر واحداً من الضغوط النفسية الذي يحتاج المقدمون عليه لتأهيل وتدريب وانتقاص السوالب النفسية وإزالة التراكمات الترتيبية وزيادة التناغم والتفاهم النفسي والتخلص من الهواجس والمخاوف حتى لا ينقلب شهر العسل إلى عكسه
المجهر السياسي