{ منذ خمسة وعشرين عاماً تقريباً لم أزر فيها جمهورية مصر العربية رغم أني في تلك الفترة زرت فيها العديد من الدول، كالمملكة العربية السعودية التي قضيت فيها ما يقارب الأربع أو الخمس سنوات، ثم زرت قطر لعدة مرات والبحرين وإيران وتايلاند، وغير ذلك من الدول التي زرتها من مصر والتي كانت أحب البلدان إلينا، فقد قضينا فيها أحلى أيام عمرنا إبان فترة الدراسة التي جئناها في ريعان الشباب، ونزورها الآن بعد تلك الفترة الطويلة والتي تغيرت كثيراً عما كانت عليه خاصة الأنفاق والكباري الطائرة. في البداية كنت أعجز عن معرفة المناطق، حتى ميدان في البداية عجزت عن تبين معالمه وكذلك شارع القصر العيني الذي كنا نزوره عند صرف الإعانة الشهرية أو زيارة الأستاذة “عوضية الفاضل” التي كانت تعمل بالسفارة السودانية بشارع القصر العيني. فشلت أيضاً في البداية عن تبين معالمه والسبب كبري الأنفاق الذي احتضن المترو بميدان التحرير، ومن هذا الميدان تكون انطلاقتك لمناطق كثيرة. معالم المدينة لم تتغير كثير عدا تلك الكباري الطائرة ولكن بسببها يخيل لمن غاب عنها فترة طويلة من الزمن أنها قد تغيرت. الشعب المصري في حالة من السخط والغضب الشديد بسبب الحالة الاقتصادية الطاحنة خاصة الارتفاع في كل المواد الغذائية، فمثلاً قطعة الخبز البلدي صار سعرها (75) قرشاً، بينما كان السعر (50) قرشاً، بجانب كل سلعة غذائية أخرى، ولكن الأمل بالنسبة لهم كبير في أن تعود مصر إلى وضعها الطبيعي إذا ما نجح ما يفضي إليه المؤتمر الاقتصادي وهو أمل مشوب بالحذر، لأن مخرجات أي مؤتمر لا تأتي في وقت وجيز ولكن الغريق يتمسك بالقشة وهذا هو الأمل الذي ينتظره الإخوة المصريون.
ذكرت أنني انقطعت لفترة طويلة لم أزر فيها “القاهرة”، ولكن بعد أيام قليلة
وتحرك مع الوفد الصحفي والإعلامي الذي يزور القاهرة بغرض إحداث علاقة مع المؤسسات الإعلامية المصرية والتعريف أكثر بالسودان، لأن الإعلام المصري أكثر صوتاً من الإعلام السوداني، فكان للأخ “جمال عنقرة” نظرة بعيدة لتلك العلاقة. المهم بدأت استعيد معرفتي القديمة وبدا لي ميدان التحرير أكثر وضوحاً والشوارع المختلفة طلعت حرب وعدلي و26 يوليو وقصر النيل ومنطقة العتبة والموسكي أحد الأسواق الشعبية، وهو أشبه بسوق ليبيا بإمكانك أن تتجول في هذا السوق لعشرات الساعات دون أن تحس بالتعب أو الإرهاق. وسوق الموسكي أكثر مرتاديه من السودانيين وإذا أردت أن تبحث عن سوداني ضائع منك ستجده في هذا السوق.
{ السوق أيضاً تأثر كثيراً بموجة الغلاء وارتفعت فيه أسعار الأصناف بصورة كبيرة، ولكن قياساً بما هو موجود في المناطق الأخرى أو الأسواق في 26 يوليو وغيرها نجد الأسعار معقولة لحد ما، وتجار هذا السوق ومن كثرة الزوار من السودانيين نجد أنهم بدأوا يعرفون مناطق ومدناً سودانية كالكلاكلة وسعد قشرة وأم درمان حتى القبائل السودانية بدأوا في معرفتها من السؤال من أي المناطق أنت من كذا أو كذا أو أنت من القبيلة هذا أو تلك ، بدأوا يتعرفون على الفنانين السودانيين مثلاً يقول لك “ترباس” أو “فرفور” وغيرهم من الأسماء.
أمس الأول (السبت) اختتمت الدورة والتي شرفها السفير ” عبد الحليم عبد المحمود ” سفيرنا بالقاهرة، شارك فيها قبل مغادرته للخرطوم لحضور زيارة الرئيس المصري “السيسي” والتوقيع على الاتفاق الإطاري لسد النهضة. تحدث السيد السفير كما تحدث رئيس الجالية الدكتور “مصطفى محمد عثمان” والمدير الإقليمي لسودانير بالقاهرة “عائدة يوسف” والدكتور “هاشم البدري” عن (سوداتل) أحد الرعاة للدورة، وتحدث “عنقرة” منظم البرنامج نيابة عن الوفد وتبارى “مختار دفع الله” و”كامل عبد الماجد” و”الزبير سعيد” شعراً، ثم تغنى الفنان “أبو بكر سيد أحمد” بروائع الفنان وردي وأغاني الحقيبة كانت الختام ومن أجمل الليالي في القاهرة، فتذكرنا فيها حفلات الاستقبال التي كنا نقيمها للطلبة الجدد أو الخريجين بنادي منشية البكري، فيما جاء ختام هذه الدورة ببيت السودان الذي حرص على إنشائه الأستاذ “علي عثمان محمد طه” النائب الأول السابق بمنطقة المبتديان بالقرب من شارع القصر العيني وجوار دار الهلال. وها نحن نعود إلى أرض الوطن نواصل مسيرة صاحبة الجلالة من الداخل بعد أسبوع كامل.