قبيل أيام سافر إلى لندن وفد يقوده رئيس البرلمان شخصياً.. الفاتح عزالدين اصطحب في مهمته الخارجية الأستاذ أحمد سعد عمر، مهندس التحالف بين الحزب الاتحادي والمؤتمر الوطني.. الوفد الكبير زار مولانا الميرغني وفي معيته كاميرات تصوير.. توقع الوفد تصريح جهير من مولانا يؤيد انتخاب البشير رئيساً للجمهورية، ويجدد على الهواء تفويضه لابنه الحسن.. لم يتحمس مولانا الذي كان برفقة ثلاثة من أنجاله للحديث أمام الكاميرات، وجدد قوله القديم في الحرص على الوفاق الوطني وجمع الناس على كلمة سواء.
في تقديري أراد مولانا الميرغني أن يتكلم ولكن دون أن يقول شيئا.. هذا الموقف الغامض يؤكد أنه بخير بعد أن ترددت معلومات عن تدهور صحته الذهنية.. الصمت أيضاً يجعله قادرا على التدخل في الوقت المناسب للتوسط بين فرقاء الساحة الاتحادية، ولكن بعد أن يستتب الأمر والسلطان بين يدي ابنه الحسن.
تلك حسابات مولانا الميرغني الكبير.. ولكن ماذا عن ابنه الحسن.. صحيفة اليوم التالي أفردت نحو ربع صفحة في الصفحة الأولى لحوار نسبته لمصدر خاص.. الحسن الميرغني، في ذاك الحوار كال الهجوم على معارضيه ووصفهم بأنهم يرتكبون فعلا لا يقل عن الخيانة العظمى.. مضى الحسن في هجومه على القادة الذين فصلهم من حزبه ووصفهم بالأقزام والدواعش الذين لا يحملون مواقف مبدئية .
من ناحية أخرى أبدى الحسن تفاؤلا بالانتخابات المقرر إجراؤها في أبريل المقبل، ووصفها بأنها مفرزة للأوزان السياسية.. بل أفرط الرجل في التفاؤل وقال إن مائة وثمانين يوماً كافية لتغيير وجه السودان في المخيلة العالمية.
في تقديري أن الحسن الميرغني يخوض معركة إثبات الشرعية.. بمعنى يريد أن يرسخ مفهوم أنه بات القائد الفعلي للحزب الاتحادي.. هذه المعركة سيخوضها بثلاث آليات.. الأولى أن انتقال السلطة تم بشكل شرعي وسلس عبر تفويض من والده.. لهذا ظل الحسن حريصاً على تأكيد معلومة أن مولانا محمد عثمان الميرغني، في كامل قواه العقلية التي تجعله يفوِّض من يشاء ليدير الحزب.. الآلية الثانية التي يستغلها الحسن في ترسيخ ولايته هي التعاون مع الحكومة.. هذا التعاون يوفر له المال اللازم لاستمالة القلوب والجيوب، ومن الناحية الأخرى يحيد مؤسسات الدولة المنظمة للعمل السياسي والقانوني.
الخطوة الأخيرة في فرض الأمر الواقع من ولاية الحسن هى الضرب بقوة على الرموز الكبيرة.. فصل قيادات بقامة طه علي البشير، والبخاري الجعلي، والشيخ أبو سبيب، يجعل آخرين يستعجلون لمبايعة الحسن أو على اقل تقدير يلتزمون الصمت لحين انجلاء المعركة.
نظرية السيد الحسن تعتمد على الحصول على شرعية داخل الحزب ثم نفوذ داخل البرلمان المقبل.. هذه المعادلة تجعله شريكا أساسيا للحزب الحاكم.. وربما يحظى الحسن بمنصب تنفيذي لا يقل عن نائب رئيس الجمهورية.. كل ذلك سيحدث ولكن لن تتحقق أحلام الحسن في تغيير وجه النظام ولو مكث في القصر مائة عام.. وذلك ببساطة لأن الإنقاذ لا تملك وجها بديلا.. وفي النهاية سيجد الحسن ونواب حزبه في البرلمان أنهم مجرد تمومة جرتق في نظام قابض على السُلطة ومحتكر للثروة.