أثار خبراء ومستشارون في مجال الموارد المائية مخاوف عديدة حول قيام سد النهضة وإمكانية تأثيره على الأمن القومي السوداني والمصري. وزادت نسبة الحذر واستشعار الخطر لدى الخبراء مع اقتراب التوقيع على الاتفاق الإطاري بين رؤساء مصر والسودان وإثيوبيا المقرر له غداً (الاثنين) بالعاصمة الخرطوم. وبرغم إعلان العد التنازلي للتوقيع إلا أنه وبحسب الخبراء المشاركين في الندوة التي نظمها المركز العالمي للدراسات الأفريقية حول سد النهضة (فالأوان لم يفت بعد)، حيث شددوا على ضرورة اللحاق بعض البنود وتضمينها الاتفاق قبل التوقيع النهائي من أهمها تشكيل إدارة مشتركة للتشغيل بين الدول الثلاث لتجنب أي مخاطر محتملة وضمان التزام إثيوبيا (كتابة) بالمواد المتفق عليها. وقالوا (في حالة عدم إدراج ذلك البند فنحن متضررون.. متضررون). وطالب الخبراء بإعادة وزارة الري الموارد المائية، وقالوا إن مستقبل السودان سيكون مظلماً في مجال الموارد المائية وبدون مهندسين متخصصين في الري.
غموض يكتنف قيام السد:
ويشير المتحدث الرسمي في الندوة مدير كرسي (اليونسكو) للمياه بروفيسور “عبد الله عبد السلام” إن نسبة تنفيذ السد حتى الآن وصلت (40%) بسعة (74) مليار متر مكعب وارتفاع (145) متراً مكعباً. ويرى “عبد السلام” وجود غموض اكتنف قيام السد وإحاطة المعلومات حوله بشيء من السرية سواء من الجانب الإثيوبي أو من جانب الوزارة المختصة بالسودان. وانتقد تكتم المسؤولين على المعلومات المتعلقة بالسد وإخفاءها عن الخبراء وهو يدار بعقلية أمنية، معتبراً إنشاء السد قضية أمن قومي تهم الجميع. ويقول (الجرح كان “دمدمتوا كراعك بتتقطع” فالقائمون على الملف ليسوا أحرص منا، وحتى لجنة الخبراء من الدول الثلاث أقرت في تقريرها بعدم تمكنها من الحصول على كثير من المعلومات). ويؤكد “عبد السلام” وجود معلومات جديدة تشير إلى أن خطة إثيوبيا الأولى المعلن عنها للرأي العام وبحسب الدراسات كانت تقوم على إنشاء أربعة سدود بأحجام صغيرة. وقال:(سالت أحد الأساتذة الإثيوبيين عن أسباب التغيير إلي سد ضخم بهذا الحجم بدلا عن أربعة، خاصة أنه وبحسب تقديري مصلحة السودان كانت في قيام الأربعة سدود لأن نسبة التبخر كانت ستكون أقل لوجودهم داخل العمق الإثيوبي بعكس السد الحالي الذي يخترق حدودنا الجغرافية، وفي اعتقادي هناك سؤال مشروع وخطيرـ والحديث لعبد السلام لماذا اختارت إثيوبيا خزاناً بحجم (74) مليار متر مكعب، وهل جاء الأمر بالصدفة أم كان مقصوداً؟ فإذا أجرينا عملية حسابية صغيرة سنكتشف أن حاصل جمع حجم السد هو نصيب مصر والسودان معا مثلا نصيب مصر من مياه النيل (55,5) مليار متر مكعب ونصيب السودان (18,5) مليار متر مكعب) ويضيف: (هذا يعطي شعوراً غير مريح بأن المقصود شيء غير ما هو ظاهر وكأن الإثيوبيين يرغبون في إرسال رسالة سالبة للدولتين بأنهم سيأخذون نفس نصيب الاثنين من المياه).
ويلفت “عبد السلام” الانتباه إلى وجود اثنين من وجهات النظر؛ الأولى تقول إن الخزان ذو فوائد عظيمة، والثانية تؤكد أن السد مهدد كبير لحوض النيل وقد حاولت أن أذكر الفوائد (لأنه حتى الخمرة فيها فوائد) ومنها أن الخزان سيساهم في تنظيم جريان النيل الأزرق ولن يكون هناك فيضانات وسيقلل من التبخر وكمية الطمي لكن ذلك لسنوات محددة، أما المهم في الأمر كيفية إدارة الخزان وتشغيله لتوليد الكهرباء التي يقول الإثيوبيون إنها ستكفيهم والفائض ستمنحه للجيران لكن نسبة لزيادة الاستهلاك السنوي للكهرباء بنسبة (30%) في إثيوبيا لا أعتقد أنها ستكفيهم).
آثار سالبة:
ويؤكد “عبد السلام” وجود تأثيرات سالبة وكارثية على السودان جراء الارتفاع الكبير لسد النهضة وحجمه الضخم. ويقول: (لو كان حجمه (30) مليار متر مكعب فهو معقول لكن بهذا الحجم إذا تم تشغيله بطريقة صحيحة قد نستفيد وإذا قاموا بتشغيله على طريقتهم فلن نستفيد وقد يحدث ضرر كبير للبلاد أيضاً من التحديات كيفية ملء الخزان فحسب الدراسات سيمتلئ في خمسة أو ست سنوات مما يعني حاجته لكميات كبيرة من المياه متوقع أن تؤدي إلى ندرة في المياه وستؤثر بالتأكيد على نصيب مصر وعلى المياه الجوفية، إضافة إلى وجود مخاوف من تشغيل السد عند الجفاف وتأمين سلامته خاصة وأن التاريخ أكد وجود سدود انهارت نتيجة لإشكالات فنية في أمريكا وباكستان والصين وقد يتعرض السد لتهديدات باستهداف عسكري من إسرائيل أو دولة معادية ، كل هذه الملاحظات يجب الانتباه لها عند التوقيع النهائي، ولابد أن يكوِّن السودان مجموعة خبراء سودانيين لدراسة الآثار فإن وجدنا السلبيات أكثر نأخذ حذرنا وإن وجدنا الإيجابيات أكثر فمرحبا لكن أخشى عندما ينتهي الخبراء من عملهم يكون السد قد اكتمل).
لا ضرر ولا ضرار:
ويشدد المستشار المصري “محمد إبراهيم” بالسفارة المصرية بالخرطوم إن مصر ليست ضد استفادة دول حوض النيل لكن بشرط لا ضرر ولا ضرار وضمان عدم تضرر أي شعب في تلك الدول. ويعتبر إقامة الندوة في الوقت الحالي مجرد تحصيل حاصل خاصة مع اقتراب زمن التوقيع.
تهجير سكان بني شنقول:
إلا أن الخبير الوطني المهندس السابق بوزارة الري “حيدر يوسف” يرى أن الملف إذا أدير بعقلية أمنية كان أفضل لكنه يدار بسرية. ويشير إلى أن البنك الدولي اعترض على إنشاء الخزانات ذات الارتفاع الكبير لما فيها من ضرر وفي حالة انهيار سد النهضة لأي سبب سيتضرر السودان بأكمله وليس إثيوبيا (ما في غنماية في إثيوبيا حتتأثر)، ولا ننسى أن منطقة كاملة سيتم تهجيرها (بني شنقول) فهل وضعت الدراسات لتهجيرهم خاصة وأن السكان يعتقدون أن إثيوبيا قصدت تهجيرهم ولا أعتقد قيام لجنة سودانية بدراسة المشكلة.
(الكلتوت) في مروي:
ومن جانبه طالب الخبير الإستراتيجي “حسن الساعوري” بأن تكون إدارة التشغيل مشتركة خاصة وأن العلاقات السياسية تتغير ولا تثبت على حال ويقول إن لم يضمن يجب تدارك ذلك بوضع خطة متكاملة للتشغيل لكن تبقى المشكلة من سينفذ الخطة. ويشكك “الساعوري” في التزام إثيوبيا بالتنفيذ، ويحذر في حالة عدم تضمينه في الاتفاق الأخير أن السودان ومصر سيتضرران. ويكشف عن معاناة أهالي منطقة مروي حالياً من شح المياه بعد قيام السد وتضرر المزارعين الذين فكروا في العودة لما يسمي (الكلتوت) ــ ساقية صغيرة تناول المياه من البحر. ويؤكد أن المزارعين سيواجهون مشكلة كبيرة في الزراعة الصيفية (فإن كان دا حال سد مروي حقنا فكيف الحال وسد النهضة حق دولة تانية).
وبحسب المستشار بوحدة السدود “محمد الأمين محمد نور” يشير إلى فجوة متوقعة في الإمداد الكهربائي في العام 2017 تبدأ آثارها من الصيف الحالي (حتكون عندنا مشكلة عويصة). ويقر بأن السودان لن يستفيد من كهرباء سد النهضة إلا ب(5) آلاف ميقاواط فقط، مما يتطلب ضرورة إنشاء المشاريع الخاصة بالسودان في مجال السدود وتوليد الكهرباء.
المجهر السياسي