قبل أن يهدد بروفيسور إبراهيم غندور من سماهم «معرقلي الانتخابات» بالردع كما حملت حديثه الأخبار، فإن الحكومة أصلاً أخبرت المرشحين والناخبين وطمأنتهم بأنها ستحمي أجواء الانتخابات لممارسة حقوقهم الدستورية مثل الشعوب المتحضرة المحترمة في الدول الأوروبية. وإذا كان بروف غندور يتحدث بصفته مساعداً لرئيس الجمهورية.. فإن ما قاله يبقي تحصيل حاصل لا جديد فيه غير إظهار التوقعات الحكومية بأن المعارضة التي تقاطع الانتخابات وتحاول تنصيب نفسها وصياً على كل الشعب الذي لا ينتمي «03» في المائة إليها سوف تسعى لتحريك الشارع كما فعلت من قبل بدعوى رفع الدعم عن المحروقات، لكنها حرقت ممتلكات المواطنين. وإن رفع الدعم عن المحروقات لم يكن أسوأ من أن تصبح ممتلكات المواطنين من المحروقات.. حتى أصبح أثر الحريق في الطرقات يصيب المارة بالتلوث البصري.
ومعرقلو الانتخابات يكونون ــ إذا عرقلوها ــ قد ارتكبوا جريمة ضد الدولة مثل المعلمين المزيفين في مدرسة الدخينات الذين أجلسوا خسمين طالباً لامتحانات مزورة زائفة.
فكلها جرائم ضد الدولة.. والانتخابات حق دستوري للمواطنين بغض النظر عن أي «غلاط». أما اذا اشترطت المعارضة أن تنفذ لها الحكومة طلباتها، فهذه مشكلة بينهما، والمواطنون ليسوا طرفاً فيها وهنا أقصد أغلب المواطنين طبعاً، فهم لا يعيرون طموحات ورغبات «المعارضة» اهتماماً بعد أن ضيعت عليهم نظام حكم ديمقراطي في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي لم ينبغ لدولة في إفريقيا والوطن العربي والعالم الإسلامي إلا فترة عام واحد في مصر ومثلها تقريباً في فلسطين والآن في تركيا وزيمبابوي.. وكاد يكون في الجزائر لولا تواطؤ عميل فرنسا في الجيش الجزائري اللواء خالد نزار الذي قوض الديمقراطية لصالح العلمانية التي لا تؤمن بالنظام الانتخابي في العالم الإسلامي لأنها مهزومة فيه على مر التاريخ.
إن الحكومة والمعارضة بينهما نزاعات سياسية وغير سياسية، ولا ينبغي لتسويتها أن يكون المرشحون والناخبون المسجلون من المواطنين هم ضحايا هذه التسوية إذا كانت تشمل تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى. نحن مع أية تسوية سواء مع المتمردين أو المعارضين الموالين لهم في هذه المرحلة للضغط على الحكومة من خلالهم، لكن بشرط ألا تشمل ما يمكن أن يشكل اعتداءً على حقوق بقية المواطنين الذين تهيأوا للانتخابات بالغالي والنفيس.
فمثلاً أنا مواطن مسجل في السجل الانتخابي ومرشح وناخب أو ناخب فقط، فما ذنبي أن تصدمني الحكومة بأنها وصلت إلى تسوية مع المعارضين والمتمردين بتأجيل الانتخابات؟! هل نحن كمواطنين قطيع للحكومة والمعارضة والمتمردين، فيسوقوننا الى أين شاءوا ويحددوا بأمزجتهم ما يوافق رغباتهم متى تكون انتخاباتنا؟! إن الشعب المحترم لا يرضى لنفسه مثل هذا السلوك طبعاً. فالحكومة والمعارضة والمتمردون عليهم أن يسووا قضاياهم التي نعلم أنها لا تلامس جوهر هموم الشعب، يسووها بعيداً جداً عن حقوق المواطن الدستورية.
الشعب السوداني المحترم تجاوب بكل براءة مع مؤامرة إزاحة »عبود« وصبر بعد ذلك على الطائفية حرصاً على إدامة الحياة الديمقراطية، وضاعت الديمقراطية.. وأعادها في أبريل 1985م إلى الطائفية مرة ثالثة.. فأضاعتها الطائفية باستهتارها وهي تستغل الطيبين كأغلبية للتفويز الانتخابي. الآن بعد أن انحسرت قواعدها تريد أن تحرم الشعب من ممارسة حقه الدستوري بأن تدخل تأجيل الانتخابات التي تخصه ضمن تسوية مع الحكومة. لو قبلت الحكومة تكون اعتدت على حقوق المواطن.. ولذلك حسبت ألف حساب لهذا الموقف التاريخي. أما «الردع» لمن يعرقل فهذا خدمة للمواطن.