بما يشبه روايات (أجاثا كريستي) يكتسي المشهد الانتخابي تعقيداً في ذهن المراقب، تبدو الحكاية غامضة، مربكة ومثيرة في ذات الوقت، الحكومة تعمل جاهدة على تكثيف الأضواء حول الانتخابات وانتزاع الناس من بين كومة المشاكل وشدانتباههم للدخول في (معمعة) العملية، ولكن… يحتشد المشهد بالتفاصيل، والكل يعبر فيها هكذا، موصداً الباب خلفه، ليتكشف لهم في الآخر أن الاحتشاد والثرثرة والإثارة بالانتخابات ربما كانت صورة مقربة في مرآة الحكومة ومنازليها.. تبتعد تفاصيل الصورة كلما اقتربت أنت المواطن العادي منها. ربما دخل بعض المرشحين إلى الانتخابات بغرض إضافة فكاهة ونكتة فيها، أو لإدخال تحسينات في سيرتهم الذاتية.
في راهن الحراك ليس غريباً أن يقرر شخص خوض الانتخابات مرشحاً في دائرة انتخابية برلمانية ولائية أو قومية أو حتى مرشحاً لمنصب رئيس الجمهورية خف أو ثقل وزنه، ولكن الغريب أن يكون هناك أكثر من 10 مرشحين للرئاسة ممن احتشدت بهم قوائم مفوضية الأصم الانتخابية وهم ليسوا من الشخصيات السودانية المعروفة سياسياً أو من الذين تساندهم أحزاب كبيرة، ممن لا يعرف لهم تاريخاً سياساً أو حتى يمشون بين الناس في الهموم الاقتصادية والاجتماعية ما جعل البعض ينعتهم بـ(نكرات).. تلاحقهم في كل مكان ألسنة التهكم وتنتاشهم عند ظهورهم على شاشات التلفزة، في كل (20) دقيقة يطلون عبرها على المشاهدين. والبعض يطلق قبالتهم السؤال (من هؤلاء؟) فيما يشبه أثيرة للراحل الطيب صالح. قوائم مفوضية الاصم حملت بين طياتها أكثر من 14 مرشحاً بعضهم مستقل وآخرون يمثلون أحزاباً يتنافسون مع مرشح المؤتمر الوطني الحاكم في الانتخابات لمنصب رئيس الجمهورية.
ومن أبرز منافسي البشير هناك فضل السيد عيسى شعيب، المحامي المولود في عام 1962 بوسط السودان والمرشح عن حزب الحقيقة الفيدرالي الذي أسسه شعيب عام2008. ولم يحصل هذا الحزب على أي مقعد خلال الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2010.
وهناك الصحافي محمد عوض البارودي، المولود في عام 1959 والذي يحمل الجنسيتين السودانية والبريطانية، وكان عضوا قياديا في حزب المؤتمر الوطني وظل يشغل منصبا وزاريا في ولاية الخرطوم حتى عام 2013 عندما قدم نفسه كمستقل.
كما تقدمت من بين المرشحين امرأة واحدة، هي فاطمة أحمد عبد المحمود، عن حزب الاتحاد الاشتراكي السوداني والذي أسسه الرئيس السابق جعفر النميري. وكانت فاطمة، المولودة في عام 1944، أول سودانية تشغل منصب وزير، حيث تقلدت وزارة الرعاية الاجتماعية إبان حكم النميري في الفترة من عام 1970 إلى 1973.
وإضافة إلى البارودي، هناك مرشح آخر يحمل جنسية مزدوجة، هو محمد الحسن محمد الحسن الصوفي الذي عاش في الولايات المتحدة 30 عاما ويحمل الجنسية الأمريكية إضافة للسودانية.
وترشح الحسن عن حزب الإصلاح الوطني، وهو حزب صغير تأسس في عام 2012. ومن مرشحي الرئاسة ياسر يحيى صالح، عصام الغالي تاج الدين، أحمد الرضي سليم، عادل دفع الله جابر، علم الهدى أحمد، أحمد عوض الكريم، محمد أحمد عبد القادر، وخيري بخيت.
ويحق لهؤلاء المرشحين بحسب شروط مفوضية الانتخابات الترشح، طالما أن لديهم برامج يريدون تنفيذها وحلما يراودهم بحكم السودان أو حتى إنقاذه من الأزمات كل بحسب رؤيته وبرنامجه الانتخابي، ولكن سؤالا كبيرا تطرحه قطاعات واسعة من الشعب السوداني في الشارع: ما هي الحظوظ الانتخابية لهؤلاء في الفوز مع برامج يرى كثيرون أنها (وردية) و(حالمة) في تغيير وجه البلاد وطريقة حكمها في الفترة المقبلة؟… ويضع البعض هؤلاء المرشحين في خانة (طالبي الشهرة) فقط ليقال إن هذا ترشح لرئاسة الجمهورية، أو أنهم دخلوا الانتخابات بغرض إضافة فكاهة ونكتة أو تحسينات في سيرهم الذاتية. ويرى آخرون أن بعض المرشحين يعلمون أن حظوظهم في الفوز صفر كبير وأن البعض منهم ربما كان عاشقاً للشهرة أو تستخدمه الحكومة لأخذ الشرعية. يحدثك أحدهم بأن برنامجه الانتخابي قائم على جعل الخرطوم عاصمة خالية من الأتربة ولديه محاولات لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان من واقع قرابة اجتماعية، وآخر يعد في برنامجه الانتخابي بحل مشكلة الخطة الإسكانية وإلغاء الولايات واستبدالها بمربعات سكنية، وحينما تتوقف عند المرشحين لا تسعفك الذاكرة في تذكر اسمائهم إن سئلت عنهم دعك من برامجهم الانتخابية أو حتى ماضيهم السياسي.
وتترى تساؤلات من حين لآخر بين عامة الناس: كيف بأشخاص مجهولين سياسياً داخل السودان أن يتقدموا للترشح لرئاسة الجمهورية؟ ومن الذي سيمنحهم ثقته؟ لتصل المقدمات إلى مشنقة نتائج معدة سلفاً في ذهن هؤلاء، وسبق الإشارة إليها؛ ربما كان بعض هؤلاء مدفوعين من المؤتمر الوطني لكي تظهر الانتخابات وكأنها حقيقية!
في الأثناء ترى الحكومة أن الانتخابات استحقاق دستوري حان أجله ويجب أن تتم في موعدها المضروب، غض النظر عن وجود أو غياب الكبار، فإنها تتحدى وتراهن على مصداقيتها ونزاهتها، وتفتح الباب على مصراعيه لمشاركة الجميع فيها، طالما أن موعد الاستحقاق قد أزف، ليبقى الحكم في كل ذلك صندوق الانتخابات وصوت الناخب.
سلمى معرف
صحيفة اليوم التالي