خالد حسن كسلا : «حلايب» متى ستبدأ رحلة «أبيي»؟!

اذا كانت منطقة «حلايب» باعتراف الأمم المتحدة وحسب الترسيم الدولي الذي وزَّع العرب والمسلمين في أكثر من خمس وخمسين دولة تابعة للسيادة السودانية مثلها مثل بئر طويل ووادي حلفا، فإن حمل بعض سكانها للجنسية المصرية وانخراطهم في القوات الحكومية المصرية هناك لا يعني انحسار السيادة السودانية مستقبلاً إلى أن تتحول المنطقة بكاملها الى السيادة المصرية. ولو أرادت مصر أن توحي بأن حلايب مصرية من خلال تجنيس وتجنيد أبناء البشاريين والعبابدة، فإن هذا يعني ابتداءً انها تحاول أن تضم المنطقة «شرعياً» للسيادة المصرية.. وهذا طبعاً اعتراف ضمني منها بأنها ليست مصرية.
لكن إذا كانت مصر موقنة من تبعية «حلايب» لسيادتها، فيمكنها أن تعتبر أبناء البشاريين والعبابدة هناك جزءاً من الجالية السودانية في مصر.. ومعروف أن القبيلتين من القبائل السودانية، لكن يبدو أن منطق مصر هو أنه من الممكن أن يكون جزءاً من القبيلتين سودانيين ويكون الجزء الآخر مصريين قياساً على النوبيين الذين تقع مناطقهم في أقصى الشمال السوداني وأقصى الجوب المصري. فهم في السودان شماليون وفي مصر جنوبيون.. وهذا الواقع الجغرافي حدث طبعاً بعد ترسيم الحدود المعترف بها دولياً، وهو نفس الترسيم الذي جعل «حلايب» في مكانها الطبيعي في الدولة السودانية وفي إقليم البجا، وإن كان لم يستبقِ النوبيين في «جنوب أسوان وشمال قُسطل داخل الدولة السودانية رغم أنهم تاريخياً سودانيون.. وحينما كان أجدادهم يحكمون أجزاءً من مصر كان ذاك فتحاً نوبياً وقد تراجعوا عنه بعد ضعف سلطتهم وانفصال دولة كوش لمرتين، ومثلها حديثاً الهند التي انفصلت عنها باكستان ثم انفصلت بنغلاديش عن أفغانستان.. ولعل هذا ما فتح المجال واسعاً لوقوع المسلمين هناك على كثرتهم تحت عمليات اضطهاد وتعذيب الوثنيين الهنود لهم من هندوز وغيرهم.
لكن هل الآن تريد مصر أن تتوسع جغرافياً بالقوة كما كانت تفعل داخل أرضها الى ما بعد الجيزة قوات الامبراطورية النوبية؟!.
ذاك عهد ولى، والآن الحدود الدولية تحميها منظمة الأمم المتحدة، وتؤسس لها مؤسسات تحكيم حتى لا تكون القوة هي الخيار الوحيد لاسترداد الأرض المحتلة.
واذا كانت «أبيي» الآن تبدأ رحلة العودة الى سيادة الوطن بعد أن أعلن قبل سنوات ملوك دينق إنها شمالية، ولم يكترث لها سلفا كير، وها هو مؤخراً وأخيراً يعترف إدوارد لينو بأنها «سودانية» – وطبعاً قبل الانفصال يُقال شمالية – اذا كانت أبيي تبدأ رحلة العودة الى السيادة السودانية، فإن حلايب يُعرض لبعض ابنائها من البشاريين والعبابدة التجنيد العسكري المصري. فهل لكي يحارب ابناء العمومة بعضهم مستقبلاً؟! إن هذا طبعاً لن يحدث إن شاء الله. لكن من أراد أن يحمل الجنسية المصرية وينخرط في صفوف الجيش المصري فهو حُر، لكن على مصر أن تعلم بأن هذا لا يعني تثبيت احتلال المنطقة.
وإذا كانت الحكومة السودانية تتعامل في هذه المرحلة حيال قضية احتلال حلايب بسياسة «التجنُّب»، فعليها هي ألا تميل الى هذه السياسة كل الميل في مرحلة قد تطول سنونها، وأسنان الاحتلال المصري تقوى وتزيد في المنطقة بما تقوم به من إجراءات انتماء بالتجنيس والتجنيد.
ثم إذا كان التقيُّد فقط في مسألة السيادة الوطنية بقوانين ومواثيق الأمم المتحدة، فعلى مصر أن تترك على ضوء هذا مثلث حلايب وشلاتين لإقليم البجا داخل وطن جمهورية السودان. كما أراد أن تستمر اتفاقية عام 9591م لتقسيم مياه النيل دون تعديل «عنتبي».
أما اذا المسألة ليست تقيداً بذلك، فإن من حق السودان أن يطالب بالجزء الشمالي لإقليم النوبة من قُسطل جنوباً الى جنوب أسوان وحتى لو رفض بعض النوبيين المصريين لأي أسباب، فهذا لا يعني أن تستمر الأرض التي حوَّلتها سلطات الاحتلال البريطاني إلى القطر المصري للسيادة المصرية، لكن حتى بريطانيا لم ترد أن يتواصل النوبيون بقطار واحد بين دنقلا وأسوان فعرض السكة الحديد في مصر أكبر منه في السودان، وهي تبدأ وتنتهي وسط إقليم النوبة.

Exit mobile version