تعود جذور حركة الخدمة المنسوبة للأستاذ فتح الله جولان للأسس الروحية والفكرية التي غرسها الأستاذ بديع الزمان النورسي ، ومع أن الأستاذ فتح جولان المولود 1938م لم يتصل مباشرة بالأستاذ النورسي المولود 1877م والمتوفى 1960 – إلا أنه استوعب تماماً فكر وإبداع النورسي وأصبح جزءاً من مدرسته ومن المدرسة العرفانية العثمانية الموصولة بسلطان العاشقين تاج الدين الرومي وكل ركائز المدرسة العرفانية العثمانية والإسلامية ، برز النورسي كمقاتل في صفوف العثمانيين في الحرب العالمية الأولى وشكل فرقة جهادية من طلابه وحارب الروس وأبحر وقضى في معسكرات الأسر الروسي 28 شهرًا ثم انفلت من الأسر مما يبرز قوة شكيمته وإرادته – ولما عاد إلى بلده عام 1918م – وجد أن الجو الفكري والسياسي مقلوباً رأساً على عقب – حيث ساد التشاؤم دعمت العقل التركي مسحة من الاكتئاب نتيجة لانقلاب المسلمين العرب على المشروع العثماني وتحالفهم مع بريطانيا وفرنسا وروسيا ضد الدولة العلية – كما شاع الإلحاد والمادية ومع بروز موجة عقلية ضد الثقافة الإسلامية ترى أن خلاص تركيا بالانعتاق من الروحانية الإسلامية بأبعادها الثقافية والفكرية .
برز التحدي الكبير وهو تحدي إصلاح العقول والنفوس ومجابهة الإلحاد والمادية بإيجاد خطاب روحي فكري يستجيب لمطلوبات التجديد – ومن هنا تأتي أهمية رسائل النور والخطاب التجديدي فيها ، الذي فسر القرآن بصورة تناسب تحديات العقل ومطلوبات التنوير – ونشر في هذه الفترة مؤلفاته باللغة العربية ومنها تفسيره القيم ” إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز ” وحينما دخل الحلفاء الغزاة استنبول في نوفمبر 1919 ، ونجحت القيادة الجديدة العثمانية ممثلة في مصطفى كمال أتاتورك في طرد الغزاة ، اتجه أتاتورك بكلياته للترويج وفرض مشروع تركيا العلمانية الحديثة وقاوم بديع الزمان المشروع العلماني ، وتم نفي بديع الزمان إلى بوردو في عام 1926، ولكن ذلك لم يفت في إرادة وعضد النورسي واستمر في التأليف والنشر والخطابة والتوصل حتى عام 1950م ما بين نفي وسجن ومحاولة اغتيال، وأدت جهوده إلى بروز مدرسة عدنان مندريس التي كونت الحزب الديمقراطي الذي فاز في الانتخابات وبدأ في برنامج جديد لاستئناف الحياة الإسلامية ، مما أدي إلى إعدام رئيس الوزراء الجديد عدنان مندريس في عام 1960م واثنين من رفاقه، وحين وفاة النورسي المدفون في عام 1960م في مدينة أورفة ، قامت السلطات العسكرية كذلك ، ينبش في قبره وحولت رفاته إلى جهة غير معلومة حتى لا يصبح مزاراً ومنارًا ويختفي من الذاكرة التركية ولكن على عكس ما أرادوا أمضت إرادة الله سبحانه وتعالى أفكار النورسي ونهض بعد الشهيد عدنان مندريس قيادات إسلامية مثل المرحوم نجم الدين أربكان الذي دعا لضرب الدينار الإسلامي والسوق الإسلامي المشترك وإعادة فتح قبرص التركية وعزز وضعية مدارس الأئمة، وأسس نجم الدين أربكان أول حزب إسلامي سياسي تركي واضطر إلى تغيير اسم حزبه خمس مرات ، وقد ولد أربكان في أكتوبر 1926 وتوفي في فبراير 2011 ودخل مجلس الوزراء في 1975 كما ظل يمثل دائرة قونية في البرلمان، وأصبح نائبًا لرئيس الوزراء ثم رئيسًا للوزراء في 28 يونيو1996م 3- يونيو 1997م ومن أهم مؤلفاته مجلد ضخم باسم ” الصناعات الثقيلة ” كان يرى أن تركيا لن تصبح قوة عظمى إلا بالعودة إلى جذورها وبالتصنيع الثقيل ومن صلب مدرسة وكامتداد لها جاء الطيب أوردجان رئيس الجمهورية التركية الحالي ورئيس وزرائها السابق ومؤسس حزب العدالة والتنمية .
وإن كان حزب العدالة والتنمية ، قد أعاد شق الجذر السياسي لتركيا في اتجاه نمطها الإسلامي العثماني ، إلا ان الفضل الأكبر في إعادة العقل التركي لمساره الإسلامي العثماني يعود للأستاذ فتح الله جولان – عاشق التربية والتعليم وعاشق الشأن العام ومع أن الاستاذ فتح الله لم يؤسس حزباً سياسياً ولم يدخل النادي السياسي على طريقة المرحوم أربكان أو تورجت أوزال ، ومن سبقوهم كعدنان مندريس إلا أنه أسس لمدرسة روحية التربوية اجتماعية فكرية إعلامية وبالتالي تقود لمشروع سياسي حتى وإن عزف عن التعاطي المباشر مع الشأن السياسي من خلال حزب سياسي يخوض الانتخابات ويمثل نفسه، في الحكومات – وفي الحلقة القادمة تتكلم عن مشروع فتح كولن.