على مدى الثلاثة أيام الماضية كان المؤتمر الاقتصادي المصري بمدينة شرم الشيخ، حضره الرئيس البشير على رأس وفد عال المستوى، مثّل حضورا مميزا للسودان وسط العديد من دول العالم المشاركة في فاعلية مصر الكبيرة، وكما يحدث في زيارات الرئيس البشير لمصر في العادة يتم التركيز على صغائر المشاهد وتضخيمها ربما لإفشال الزيارة، وربما لعرقلة مسيرة العلاقات المصرية السودانية التي لا يريد لها كثيرون في البلدين التقدم.. في زيارته السابقة للقاهرة قامت الدنيا على عدم وجود علم السودان في لقاء الرئيسين البشير والسيسي، وكذلك تم التركيز على خريطة القطرين المصرية الشهيرة وأن وضعها كان مقصودا، ينجح أصحاب الأجندات دائما في تشتيت المراقبين، فبدلا من تركيزهم على الإيجابيات التي تصاحب مثل هذه الزيارات، يذهبون بالناس لأشياء انصرافية لم يكن لها أساس بين القيادتين.
وفي الزيارة الحالية للرئيس البشير لشرم الشيخ روج رواد مواقع التواصل الاجتماعي (فيديو) لخروج ممثلي الكويت والإمارات من القاعة عندما بدأ يتحدث الرئيس البشير، وذهب بعض آخر إلى أن السيسي لم يرحب بالبشير في كلمته، ورأى كثيرون ذلك على أنه عدم احترام للسودان والسودانيين، ليأتي تعليق عبد المحمود عبد الحليم سفير السودان بمصر ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية قاطعا في هذا الأمر، معتبرا هذه التعليقات كذبا وادعاءً رخيصا، وقال عبد المحمود لـ(اليوم التالي) إن كلمة الرئيس البشير التي قدمها أمام المؤتمر كانت قوية، فضلا عن المشاركة الفاعلة للوفد السوداني في المؤتمر، الأمر الذي أدى إلى رواج هذه الشائعات، لافتا إلى أن البشير تبادل الأحاديث الودية مع نظرائه من زعماء دول الخليج أثناء وجوده بشرم الشيخ، مؤكدا أن هناك أعداءً دائمين للعلاقة بين البلدين، وأن العداء بين البلدين أصبح عادة يتكسب منها البعض الذين يدعون أنهم خبراء استراتيجيون، وتابع: التشويش الذي حاولوا إثارته في زيارة الرئيس هو جزء من هذا المكر السيئ، لافتا إلى أن الانسحابات التي أشاروا إليها هي في خيالهم المريض، مؤكدا أن المنطق هو الذي انسحب من عقولهم، وقال إن البشير حظي باستقبال حافل من السيسي، وأجرى مباحثات مغلقة لمدة نصف ساعة معه وأنها كانت في غاية الحميمية وكذلك الوفد المرافق، مضيفا أن ازدهار العلاقة بين البلدين أصاب البعض في مقتل، وأن كلمة البشير وحديثه عن مصر ومستقبلها وعن التكامل الغذائي بينهما ومعوقات التمويل ورفع الإجراءات الجمركية كانت قوية وسوف تكون أحد موضوعات القمة العربية القادمة بشرم الشيخ.
القطار تحرك
من جانبه ثمن عبد الرحمن ناصف المستشار الإعلامي بالسفارة المصرية بالخرطوم حديث عبد المحمود قائلا إن هذه التعليقات بالفعل موتورة، مؤكدا أن علاقات الدول ومكانة الرؤساء لا يراها البعيدون. وقال ناصف لـ(اليوم التالي) إن الرئيس السيسي وجه الدعوة للرئيس البشير لحضور المؤتمر، وكانت استجابة السودان فورية، مضيفا أن الرئيسين أدركا منذ زمن أن المصالح الاستراتيجية ومصلحة المواطن في البلدين لا تجعلهما يلتفتان لمثل هذه الأمور، ورأى ناصف أن أمور الشوشرة طبيعية، وأن القيادة في البلدين لن تلتفت لها، مؤكدا أن قطار العلاقة بين البلدين تحرك وأنه لن يستطيع أحد أن يوقفه.
غير مقصودة.. ربما
أما الطيب مصطفى، رئيس منبر السلام العادل، يرى أن دعوة السيسي للبشير لحضور المؤتمر شيء جيد جدا، مرحبا بتقوية أواصر العلاقة بين البلدين. وقال مصطفى لـ(اليوم التالي): لا ينبغي أن تؤثر الأوضاع السياسية على العلاقة بين شعبي وادي النيل، مضيفا: نريد للشعبين أن يتكاملا لمصلحة شعبيهما، وتابع: أما بخصوص ما حدث من زعماء الدولتين الخليجيتين وخروجهما فور بداية البشير لكلمته في المؤتمر فقد تكون غير مقصودة، مستطردا: لكني أرى أنه إذا كانت الكلمة لرئيس دولة أخرى أو أحد زعماء الخليج، لما خرج الاثنان بهذه الطريقة، وقال ينبغي أن يوضع في الاعتبار المجاملات السياسية، معتبرا هذا الخروج تصرفا غير لائق، وأنه يتجاوز الرئيس للسودان كله، مستدركا بالقول إن ما حدث لربما يرتبط بعلاقات السودان بهما، ولكنه لا علاقة له بالسودان ومصر.
مجرد ترويج
وقال كمال عمر، الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي: أصبحنا لا نميز بين المؤتمر الوطني والوطن، وأضاف عمر لـ(اليوم التالي): في سياستنا الخاصة نلجأ لما يسيء للسودان كله، وواضح جدا الاتجاه لفبركة الأمور، مؤكدا أن هناك تحسنا ملموسا في العلاقات المصرية السودانية، لافتا إلى أن البشير إذا لم يكن في محل ترحيب بمصر لما تمت دعوته أصلا، وقال إن حضور السودان في مؤتمر اقتصادي مصري بهذا الحجم له رمزيته، معتبرا الدعوة نفسها مكسبا للعلاقة بين البلدين، مشيرا إلى أنه لا توجد مشاكل في العلاقات بين السودان والكويت والإمارات، وقال الترويج لخروجهما من القاعة أثناء كلمة البشير مجرد ترويج، ومثل هذه المواقف لا تتم إلا إذا كانت العلاقات سيئة جدا ومنقطعة، وهذا غير حادث الآن بيننا، منوها إلى أن الكويت والإمارات يعلمان أن البشير وجهت له الدعوة، وقال عمر إن مثل هذه التعليقات السلبية هي إساءة للبلد، ومهما اختلفنا فهي غير مفيدة للسودان، مضيفا: ينبغي ألا تقودنا مثل هذه الأمور لدرجة أن نجعل من السودان مهزلة بالخارج، مؤكدا أن الخاسر الوحيد من هذا الأسلوب هو الوطن.
حساسية عالية
وأضاف عبد العظيم عوض، نائب رئيس الإذاعة والمستشار الإعلامي السابق بالسفارة السودانية في القاهرة، أن علاقة السودان بمصر علاقة شديدة الخصوصية، وليس هناك بلدان في المنطقة كلها يتمتعان بذات الخصوصية التي تربط السودان بمصر، لذلك لابد أن تكون علاقات البلدين على الدوام في مستوى جيد إن لم نقل ممتاز، وأضاف عوض لـ(اليوم التالي): بغض النظر عن الأنظمة الحاكمة في البلدين وطبيعتها، أرى أن زيارة السيسي للسودان في وقت سابق أزالت كثيراً من الحواجز الوهمية التي صنعها الإعلام هنا وهناك بشأن سد النهضة، لافتا إلى أن السودانيين في كثير من الأحيان يتعاملون بدرجة عالية من الحساسية تجاه علاقاتنا الخارجية خاصة مع أشقائنا في المحيط العربي وبصفة أخص مع الشقيقة مصر، وقال: ربما يرجع ذلك لأسباب تاريخية مرتبطة بالتاريخ الحديث للمنطقة خاصة إبان الحقبة الاستعمارية البريطانية لوادي النيل ودور الأنظمة التي تعاقبت على إدارة الحكم سواء في مصر وحدها أو مصر والسودان كليهما، وتابع: من الممكن أن يكون لموقع السودان الجغرافي وما يميزه من عمق أفريقي تأثير على هويته المتداخلة عربيا وأفريقيا، وبالنسبة لمصر حقيقة خصوصية العلاقة المتمثلة في التمازج الحضاري والاجتماعي والثقافي بين البلدين كثيراً ما خلق قدرا من الحساسية هنا وهناك حتى في واقعنا المعاصر، وزاد: من المسلمات أن كل التحولات السياسية في السودان سواء أكانت عبر وسائل عسكرية أو سياسية تجد لمصر دورا وتأثيرا في هذا التحول، هذا باستثناء حكم الإنقاذ الحالي الذي فاجأ مصر نفسها ولعله التحول الوحيد الذي كان بعيدا عن مؤثرات ذراع مصر الطويلة في جنوب الوادي، لافتا إلى أن الهاجس الأمني هو الذي يدفع مصر لمثل هكذا تدخل على الدوام، فضلا عن الأمن الغذائي والمائي، وقال: كل تلك العوامل وغيرها مرتبطة بها كمسألة حلايب مثلا أسهمت في خلق قدر من الحساسية تهبط وترتفع على ضوء تقلبات الأحداث في المنطقة، مختتماً إفادته بالقول إن ما جرى بشأن ملابسات خطاب الرئيس في قمة شرم الشيخ أو مزاعم أخرى بروتوكولية إبان زيارة الرئيس للقاهرة، تلك كلها هلوسة إسفيرية يطلقها بعض ذوي الغرض أحيانا وأحيانا أخرى بعض المشفقين على رمزية قيادتهم، ولا أحسب أنها تستحق الرد أو الالتفات
صباح موسى
صحيفة اليوم التالي