بينما اللجنة التي بعثها السيد وزير الخارجية الأستاذ كرتي إلى التحقق والتحري في قضية قنصليتنا بجدة.. بينما هذه اللجنة التي حدد لها أسبوع بصدد إحكام صياغة تقريرها.. إذ بالأسافير نفسها تحمل لنا بشارة أخرى ونصر خارجي آخر نحن أحوج ما نكون إليه في هذا التوقيت بالذات.. وبطله هذه المرة (وافد سوداني) كما أطلقت عليه الشهادة التقديرية الصادرة من مدير شرطة العزيزية بالرياض.. والذي جاء في ديباجتها.. أن مدير شرطة العزيزية يشكر الوافد السوداني محمد أحمد ابن عوف (سوداني الجنسية) لامانته.. وتعود القصة إلى أن السيد ابن عوف قد استأجر شقة فوجد بها أربعمائة ألف ريال سعودي ومائة وعشرين ألف دولار وذهباً يقدر بأربعمائة ألف جرام ودراهم إماراتية مماثلة.. وبدا أن الأسرة التي كانت تسكن بالشقة قد توفي عائلها قد غادرت ولم تكن تعلم بأمر هذه الفلوس.. ولم يملك الرجل السوداني الأصيل إلا أن يأخذ الجمل بما حمل إلى شرطة العزيزية، حيث مكان السكن والفلوس والواقعة النبيلة التي احتفلت بها الركبان الإلكترونية.. ولا أتصور أن هذه هي الواقعة الأخيرة الذي ينقذ سمعتنا ويبيض وجهنا فيها مواطن بسيط حيث تخذلنا سفارة بحالها وقتصليات بأكملها.. فلقد سبق الوافد راعٍ ماشية.. عندما يكون الراعي وحده أعظم من سفارة بأكملها.. لدرجة استدعاء جدلية.. رجل ضد دولة، دولة ضد رجل.. المعركة التي دارت بين الرجل الشهيد أسامة بن لادن ضد الإمبراطورية الأمريكية لعقود بأكملها !!
تتجدد اليوم ملحمة ذلك الراعي الذي فتحت له صفحات التاريخ وصالة كبار الشرفاء وأنزل في واجهة كتاباتنا ورواياتنا من ذوات الخمسة نجوم.. ذلك الراعي البسيط الذي بالكاد يحمل شهادة إعدادية أو كتاب.. أو لا يحملها.. قد تفوق على حملة الشهادات العليا من الدكاترة والسفراء الذين تقرع لهم الأجراس ويعزف لهم السلام الجمهوري.. ذلك لدرجة الهتاف (يا أيها السفراء الدكاترة تعلموا من هذا الراعي السفير).. بحيث تكمن المفارقة المدهشة في أن من جيئ بهم إلى خدمة الناس سودوا وجوهنا في القنصليات.. وفي المقابل إن من جيئ بهم لرعاية البهائم بيضوا وجوهنا وتاريخنا وأحسنوا تمثيلنا.. فرب راع لم تلده الدبلوماسية الرسمية خير من ألف سفير !!
الرأي عندي أن هذا الرجل الذي عرفه مكتب شرطة العزيزية بـ (الوافد) سوداني الجنسية.. أن نستقدمه إلى الخرطوم ونفتح له صالة كبار الزوار ونفرش له البساط الأحمر.. ونشهر الأعلام الوطنية وننحر الإبل وندق النحاس حتى تعلم قريش أن وافدنا الأمين.. غير الجنسية السودانية يحمل صفاتنا الجميلة السمحة التي عجزت واجهاتنا القنصلية أن تعبر عنها !!
والشي بالشي يذكر.. لما كان النازيون يتسورون موسكو خرج استالين عبر المذياع ينادي (يا أيتها الجماهير دافعي عن وطن لينين).. ولما تحاصر سمعتنا القنصليات يجدر بنا أن نخرج عبر الفضائيات ننادي (يا أيها السودانيون دافعوا عن وطن الوافد والراعي) !! ونخرج مع سيد الفقراء الفيتوري..
دنيا يملكها من لا يملكها
أغنى أهليها سادتها الفقراء
الخاسر فيها من لا يأخذ ماتعطيه على استحياء
والغافل من ظن الأشياء هي الأشياء