> من الملاحظ هذه الأيام، إن وتيرة التشدُّد والعنف اللفظي قد تكررت من الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني، وبدأ في استخدام لغة ليس معتادة في حديثه، وتهديدات لم يألفها الناس في شخصه، وهو رجل عالٍ التهذيب، ولديه علاقات وصلات بكل الطيف السياسي، ومقبول لدى الجميع.. فما الذي اعتراه هذه الأيام بالرغم من أن حزبه في وضع مريح بالنسبة للسباق الانتخابي؟..
> ولا تبرر حالة الوضع السياسي الهجوم الكاسح واستخدام كل أسلحة التدمير الشامل في مواجهة الخصوم، ولا تستحق الأحزاب المعارضة التي تناصب المؤتمر الوطني العداء، أن يلوِّث الخير شاربه بدمائها، فهي لا تخوض معه الانتخابات ولا تنافسه في الدوائر الجغرافية ولا القوائم، ولم تتجاسر وتدخل معه الحلبة، فقط يتعالى صراخها من الخارج وهي في مقاعد المتفرجين. فهل يضرب د.مصطفى بقبضاته في الهواء.. ويطعن برمحه خاصرة الفراغ العريض..؟!
> وتفسيرنا لهذه الظاهرة الجديدة في لغة الدكتور مصطفى عثمان، إنها لا تخرج من كونها حالة شعورية غير مبررة وعابرة تلبَّست الحزب الحاكم، فرضها مقتضى الضرورة، فطفق يكشِّر عن أنيابه ويحد من أسنانه وشفرات نصاله، وانهمك لكي تراش سهامه التي أخرجها من قِرابها، والغريب أن أخانا وصديقنا الدكتور مصطفى يضع السيف محل الندى. ففي ذات الوقت الذي يتوعَّد من يمد يده لحزبه بكسرها، فإنه يُعلن عن الترحيب والتأييد لمخرجات مؤتمر برلين الأخير الذي التأمت فيه مجموعات المعارضة السياسية والمسلحة..ولعمرُك ما ورد في مخرجات برلين أدهى وأمر..ّ
> كما نشرت الصحف أيضاً هجوماً عنيفاً من الدكتور مصطفى على الصحافة والصحافيين، ولم نعهد في الرجل على الإطلاق هذه الغضبة المضرية وحدة الخطاب، وكلنا نأمل أن ينفيها السيد الوزير اليوم قبل الغد، لأن فيها تجنٍ واضح ولغة استهتار وروح غضوبة ليست من طبيعته وأخلاقه وتعاملاته وعلاقاته المتصلة والعميقة بالمجتمع الصحافي.. وإذا صح ما ورد وما نُقل عنه، فتلك أزمة كبرى وحالة عداء سافر ستكون بينه وبين الصحافيين، وسينبري عدد كبير منهم للرد عليه، وربما تأخذهم العصبية المهنية إلى الشطط، ولا أظن أن سياسياً بوزن مطصفى عثمان قاد سفينة الدبلوماسية السودانية لسنوات طويلة وسط الأنواء والعواصف والأمواج، سيختار مكان وزمان مواجهة مع الصحافة والانتخابات على الأبواب.
> فإن كان قد قالها واستل سيفه لينحر من يشاء من الشرائح الصحافية في وضح النهار، لا ندري كيف يعالج هذا الوضع بغير الاعتذار إن كان زلة لسان، وهو أمر وارد، وإن لم يكن قد قال ما قيل، فلينفِ نفياً قاطعاً ويتبرأ من هذه اللغة المجحفة والمعنى الغليظ الذي لا يشبهه، فهو رجل حكيم واسع الصدر نرْبأ به أن يكون صدره ضيِّقاً حَرَجاً كأنَّما يَصَعَّد في السماء..
> ولم تكن الصحافة في يوم من الأيام خصماً لدوداً لهذه الدرجة، ولم تدعُ لنفسها تلك الأوصاف بأنهم ملائكة او أساتذة او غيرها من العبارات التي نُسبت للدكتور مصطفى الذي يقود القطاع السياسي للحزب الحاكم في أجواء الحملة الانتخاية التي تحتاج الى علقنة جيدة واحترام متبادل بين الصحافة وأهل السياسة..
> ومشكلة الصحافة في كل الدنيا، إنها فعل حارق وجمرات من نار وأشواك في حدة العوسج، لا يستطيع السياسي مهما اجتهد في نيْل رضاها بسهولة، فمن يجرب لسعها او وخزاتها، لن يرضى عنها مهما فعلت، ولأنها توتر يومي تتأرجح فيه على مدى فضاء الحقيقة صعوداً و هبوطاً، فمن العسير أن تتوافق الأجواء وتتواءم وتنسجم بين السياسي والصحافي إلا نادراً، وهذا موجود في أي مكان في الدنيا، فمثلما رضى الصحافة غالٍ وشاق ونادر عن السياسي، يظل السياسي ينظر في ريبة وشك للدور الذي تقوم به الصحافة، خاصة إذا مارست دورها وكَثُر نقدها وكشفت عن مواطن الخلل والاعتلال..