“المسروق الذي يبتسم يسرق شيئاً من اللص” .. وليم شكسبير!
لصوص الكتب !
بمناسبة الأجواء التي صاحبت معرض الخرطوم الأخير للكتاب، يقال إن أكثر رواد المكتبات العامة – في العالم – نهماً للقراءة عجوز بريطانية عمرها يناهز القرن من الزمان، استعارت ما جاوز الخمسة والعشرين ألف كتاب من مكتبة محلية، ورغم ذلك لم يحدث قط أن دفعت غرامة واحدة على تأخير إعادة كتاب .. أما أكبر لصوص الكتب – عندنا – فهم محبي القراءة من الكتاب والأدباء والمثقفين، الذين نشرت بعض الصحف – قبل فترة – تحقيقاً طريفاً عن تاريخ المرموقين منهم مع سرقة معارض الكتب، باستخدام حيلة حشو جيوب المعاطف خلسة قبل الخروج ..!
أنظر كيف يؤدى استسهال فكرة سرقة كتاب في مجتمعاتنا العربية المسلمة إلى تنميط هذا السلوك .. تنميطه إلى حد عدم الأخذ بكونه جريمة أخلاقية/قانونية على محمل الجد .. بل يصل الأمر إلى حد تدبيج تحقيق صحفي ساخر عن الفعل كظاهرة .. تحقيق (جاد) أوردته صحيفة عربية واسعة الانتشار تضمن إفادات لصوص كتب سابقين، أصبحوا اليوم من مشاهير الأدباء والمثقفين، يقصون علينا باستمتاع سوابقهم مع (لطش) الكتب، دونما حرج ..!
لا لوم إذاً – والحال كذلك – على الصحف العربية (التي أحرجتنا يوماً بدهشتها) من خبر لعازفة بيانو بريطانية استعارت كتاباً من المكتبة العامة في بلدتها قبل أكثر من سبعين عام (أي قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية) ونسيت أمره .. ثم عثرت عليه مصادفة في أثناء حملة (نضافة عيد) اللهجة لمنزلها القديم .. فأعادته إلى إدارة المكتبة بكل أمانة .. بعد قرن إلا ثلث من الزمان ..!
بعض أضابير التاريخ الإسلامي في الأندلس – وفي معرض نقلها صوراً عن تأثر العقل الأوروبي الذي كان قابعاً في الغياهب قبل فتح الأندلس بفكر العرب/المسلمين- أكدت على أن إجادة (الخواجة) الأسباني للغة العربية كانت تعدل – في حجم (البوبار) المصاحب لها، والتثمين العالي لثقافة متحدثها – تفاخر أعراب هذا الزمان بإجادة الانجليزية والفرنسية ..!
فالسلوك الرشيد لمسلمي ذلك الزمان هو التأصيل التاريخي لسلوك الخواجات الحضاري الذي يفاخرون به اليوم .. من احترام الحرية .. الخضوصية .. الوقت .. إلى احترام القانون .. إلخ .. إلخ ..
فقد كان أجداد خواجات اليوم – أيام قوة الخلافة الإسلامية – يحترمون البعد الأخلاقي لسلوك المسلمين، ويتعجبون من حرص الواحد منهم على لزوم ما يرونه غير لازم من فضائل .. ليس خوفاً، بل حرصاً على أن يتحقق المبدأ .. وطمعاً في أن يصح الصحيح ..!
ولكن المؤسف اليوم هو أن تمضي سلالات هؤلاء الخواجات في طريق احترام القوانين والحقوق(إلى درجة إعادة كتاب مستعار بعد عشرات السنين) .. بينما يتحول أحفاد أولئك الفاتحين إلى امتهان اللصوصية .. من الحرابة السياسية باسم السياسة – والنهب باسم الدين – إلى السرقة باسم الثقافة ..!
أرشيف الكاتبة