ملكيون أكثر من الملك!!..

قبل سنوات قليلة جمع الحزب الحاكم جموع الإسلاميين من مشارق الأرض ومغاربها.. حتى تلك اللحظة لم يكن أخوان السودان قد أداروا ظهرهم لإخوتهم المستضعفين.. كانت عربات رئاسة الجمهورية تجوب شوارع الخرطوم وفي جوفها الضيوف الكرام.. حينما احتجّ الناس على الخلط بين الحزب والدولة أفتى مسؤول كبير أن الحزب الحاكم يستأجر هذه العربات من القصر الجمهوري ليخدم بها ضيوفه.
جاءت الانتخابات والتي من أشراط نزاهتها تكافؤ الفرص بين المرشحين.. قادة الحزب والأحزاب الصديقة يستفيدون من أصول الدولة في طوافهم الانتخابي.. طائرات تجوب أطراف البلد لتدشين الحملة الانتخابية للحزب الحاكم.. عربات الحكومة تشق المدن ومن وراء الزجاج المظلل يقبع الحكام.. أما هواتف المسؤولين هنا فلا فرق بين جيب الحكومة وجيب الحزب.. حتى الوعود الانتخابية القابلة للصرف العاجل تدفع من مال الشعب.
الأخ رئيس الجمهورية استشعر الحرج واعتذر عن المشاركة في المناشط الدعائية الممولة من جيب دافع الضرائب.. غاب المشير البشير عن احتفال افتتاح مستشفى بحري.. امتنع الرئيس، وأقبل الأستاذ حسبو عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية، وألقى عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم ورئيس المؤتمر الوطني خطاباً حماسياً.. كان نصيب الناخبين- في ذاك اليوم- هدية معتبرة هي مدينة بحري الطبية التي اقترحها زميلنا الدكتور المعز حسن بخيت- وفي ذات اللحظة والتو- وجدت الرعاية والتمويل من الحكومة المركزية والولائية.
المفوضية القومية لم يعجبها غياب الرئيس عن المناسبة.. أساتذتنا الدكتورة محاسن حاج الصافي عضو الهيئة المشرفة على الانتخابات أكدت- في تصريح للزميلة المجهر- أن المفوضية لم تصدر منشوراً يمنع رئيس الجمهورية من المشاركة في المناسبات العامة.. الدكتورة حاج الصافي أكدت أن القانون يمنع استغلال هذه المناسبات في الدعاية الانتخابية.. مثلاً الرئيس في الدمازين وعد بإعادة إعمار ولاية النيل الأزرق.. مهمة الأعمار تم إسنادها إلى ذات اللحنة التي تشرف على ترشيح البشير في تلك الولاية البعيدة.. كيف تنظر المفوضية إلى هذه الوعود؟.
ليس هذا الموقف الوحيد الذي كانت مفوضية الانتخابات تقف أمام الحكومة لا خلفها.. المفوضية قبل أسابيع منحت حركة العدالة والتحرير الحق في المشاركة في الانتخابات.. إلى ذلك الحين كانت الحركة عبارة عن مليشيا عسكرية سالمت الحكومة- بالطبع- لم يكن هذا الأستثناء ليشمل خصوم الحكومة من الحركات المقاتلة.. لا أدري حتى الآن المسوغ القانوني الذي جعل الاستثناء بيد المفوضية، وليس بيد مجلس الأحزاب .
حتى تنتهي مراسم الانتخابات مطلوب من المفوضية التي يرأسها الأصم أن تتحلى بفضيلة الصمت.. عفواً لا نطلب شيئاً غير السكوت.

Exit mobile version