قال المتحدث باسم القوات المسلحة العقيد “الصوارمي خالد سعد” إن السودان لا يأوي أية جماعات أجنبية مسلحة، وقطع بأن السودان لا يسمح لأرضه بأن تكون مرتعاً لأية مجموعات متطرفة. وشدد “الصوارمي خالد سعد” في تصريح صحفي نقلته وكالة السودان للأنباء (سونا) مساء أول (السبت) إن ما أوردته بعض وسائل الإعلام الأجنبية منسوباً للمستشار القانوني للجيش الليبي بأن متطرفين ليبيين تحركوا من دارفور إلى ليبيا بشحنات من الأسلحة معلومات لا أساس لها من الصحة. وأكد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة أن الجيش (يسيطر على الأوضاع في دارفور بنحو كامل ويراقب الأوضاع بكل دقة ولا تفوت عليه أي تحركات معادية إن وجدت). وكانت صحيفة (الشرق الأوسط) الصادرة أول أمس (السبت) نقلت عن المستشار القانوني للجيش الليبي “صلاح الدين عبد الكريم” أن رتلاً محملاً بالأسلحة والمقاتلين بدأ التحرك منذ فجر (الجمعة) الماضية من دارفور غرب السودان تجاه ليبيا. وأكد “عبد الكريم” أن متطرفين ليبيين بدأوا القيام بأول عملية التفافية للاقتراب من الحدود المصرية قادمين من دارفور الواقعة غرب السودان بشحنات جديدة من الأسلحة والمقاتلين وفي طريقهم للسيطرة على منطقة الكفرة شمال شرقي ليبيا. وأضاف أن المعلومات تقول إن المتطرفين عبروا من دارفور إلى داخل ليبيا ومعهم (70) شاحنة محملة بالأسلحة إضافة إلى نحو (60) سيارة دفع رباعي تحمل مقاتلين من قوات تابعة لمدينة مصراتة وقوات الدروع وهي مجموعات إرهابية تتحرك في الصحراء الكبرى جنوب ليبيا لمد العون للعمليات التي يقوم بها المتطرفون في باقي ليبيا. وتابع أن وجهتهم ربما إلى واحة الكفرة للسيطرة عليها لأنها تحتوي على آبار للنفط ومخزون من المياه وإذا سيطروا عليها سيكون هناك خطر على الأمن المصري. وقالت تقارير إعلامية عن مصادر أمنية مصرية إنها لا تملك معلومات حول تحرك هذه المجموعات القتالية المتطرفة تحديداً قرب الحدود مع ليبيا..
= بداية القصة
وبالطبع فإن نفي العقيد “الصوارمي” لهذه المزاعم لم يكن الأول وقطعاً لن يكون الأخير فقد سبق وأن نفى الناطق الرسمي للقوات المسلحة في خواتيم العام 2013 بشدة دخول أيّ مجموعات مسلحة من تنظيم أنصار الدين المجاهدة للأراضي السودانية، مؤكداً أن الجيش لم يسمع بهذه الأحاديث ولم ترد له أيّ معلومات عن دخول أو تسلل جماعات جهادية مقاتلة في مالي لدارفور، مشيراً إلى أن ما تناقلته وتداولته وسائل الإعلام في هذا الصدد محض شائعات وحديث لا أساس له من الصحة مطلقاً. واختتم تصريحاته في مواجهة هذه المعلومات ــ التي انتشرت على نطاق واسع – أن حركة العدل السودانية لا وجود لها في تشاد وفي المقابل لا توجد معارضة تشادية في الأراضي السودانية. وجاء نفي العقيد “الصوارمي” على خلفية ما تردد من أنباء أطلقتها الحركات المسلحة الدارفورية في العام 2013 تفيد بوصول مجموعات مسلحة من المحاربين الموالين لتنظيم جماعة أنصار الدين الجهادية في مالي وتسللها لأراضي شمال دارفور بعد فرارها من العمليات العسكرية التي شنتها ضدها القوات الفرنسية. وقال رئيس حركة التحرير “مني أركو مناوي” إن فرقاً استطلاعية تابعة لفصيله شاهدت عناصر من جماعة أنصار الدين ووصولها بعربات دفع رباعي مزودة بأسلحة ثقيلة ومدافع وهم يتجولون في سوق كتم الحدودية التي تجاور الاراضي الليبية بعد دخولها عن طريق الصحراء الكبرى لدارفور، والشاهد أن ما تردد مؤخراً عن وجود مثل هذه التحركات تكرر بصورة كثيفة في وسائل الإعلام ونشرته العديد من الصحف العربية وبثته مواقع وشبكات إلكترونية على نطاق واسع كان آخره ما أوردته دوائر محسوبة على المنظمات الدولية تحدثت عن إمكانية توغل قوات متطرفة داخل الأراضي السودانية واختراقها العمق السوداني وتغلغلها – تحديداً – في دارفور، وكان في مقدمة ذلك التحذيرات والنداءات الأممية التي أطلقتها الأمم المتحدة عبر خبراء يتبعون لهيئتها – نهاية بناير الماضي – رجحوا من احتمالات تحول أزمة الإقليم في دارفور إلى ساحة لقتال قد يأخذ طابعاً يجعل المواقع النائية في بعض مناطق دارفور مرتعاً للإسلاميين المتشددين مع احتدام العنف في الإقليم الذي يمزقه الصراع بدرجة مثيرة للقلق – بحسب التقرير. وقال الخبراء إن المناخ الأمني عبر ليبيا والساحل والشرق الأوسط تدهور بسبب قلاقل الإسلاميين الراديكاليين، معبرين عن مخاوف بشأن بيانات من السودان عن دعم الحكومة للمتمردين الليبيين. وشدد التقرير على أن اللجنة تجد أن دارفور يمكن أن تكون أرضاً خصبة محتملة لتسلل الراديكاليين الإسلاميين بسبب معابرها ومداخلها المليئة بالثغرات والتضامن العائلي عبر الحدود بين القبائل السودانية و(أبناء عمومتهم) الأفارقة المنحدرين من أصل عربي في جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا ومالي والنيجر، مضيفاً أن الخبراء لم يتمكنوا بعد من تحديد حجم هذا التهديد ..
= ظلال دولية
وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة هذه الأنباء (المقلقة) التي قيلت على لسان خبراء الأمم المتحدة فإنه من الواضح أن هناك تأثيرات وإسقاطات سالبة قد تلقي بذيولها وظلالها على جملة الواقع السوداني – في المستقبل القريب – سواء تحسبنا لذلك عبر خطط وقائية أو إجراءات احترازية وإستراتيجية مناعية لتلافي وتفادي وقوع هذه السيناريوهات فإن الواقعة ليس لوقعتها كاذبة نظراً لتفاعلات ظروف وإفرازات حراك محلي يفور كالمرجل مرتبطاً بارتباطات إقليمية ودولية بالغة التعقيد والتشابك والتشعب، والسودان قطعاً ظل وسيظل جزءاً من هذا الحراك الدائر في الراهن الحالي بتداعياته ومضاعفاته المعروفة. ففي العام 2013 جرت محادثات (ليبية – سودانية – تشادية) تركزت حول إحكام التنسيق بين الدول الثلاث بغرض إغلاق ومراقبة الحدود المشتركة وتنشيط حركة الرصد والمتابعة للمتسللين وعابري الدول عبر المنافذ ونقاط المرور الحدودية، وهذا مؤشر يعطي انطباعاً بقيام القوات المشتركة لمنع دخول هذه القوات الهاربة من ضربات الفرنسيين وضغطهم على المسلحين الإسلاميين الذين بدأوا يبحثون عن مناطق وملاجئ آمنة تكون غطاء وساتراً لقواتهم التي تمتلك ترسانة أسلحة ورثتها من الجيش الليبي بعد سقوط نظام العقيد “القذافي” في أغسطس 2011، ثم تحرك الطوارق الملثمين وزحفهم نحو باماكو وقيامهم بانقلاب عسكري عجّل بسقوط الرئيس المالي “أمادو تاموني توري” وفرض الجماعات الإسلامية مثل (القاعدة) و(جماعة التوحيد والجهاد) و(حركة أنصار الدين) و(الموقعين بالدم) سيطرتهم على كامل التراب في شمال مالي بإسناد من الجهاديين الجزائريين المستقرين في جنوب الجزائر وشمالي مالي ثم انفتاح قوات فجر ليبيا وأنصار الشريعة في الحدود المشتركة بين ليبيا وتشاد؛ الأمر الذي يجعل نظام الرئيس التشادي “إدريس دبي” في مواجهة نيران ومدفعية الجهاديين خاصة بعد تدهور الأوضاع في دولة إفريقيا الوسطى، وتزامنت كل هذه التطورات مع الهجمات والغارات الجوية التي شنها طيران الجو التشادي على مواقع متعددة تعتبر معقلاً لجماعة (بوكو حرام) النيجيرية واستهدف القصف الجوي ارتكازات الجماعة المتطرفة لتنظيف وتطهير الطريق لمرور القوات التشادية لمقاتلة عناصر الفصيل المسلح التابع لبوكوحرام، حيث أفادت الأنباء عن مقتل ما يزيد عن (120) فرداً من قوات بوكو حرام بالقرب من منطقة “غامبورو” ..
= تنيسق مشترك
ويجيء هذا الحراك في وسط وغرب وشمال القارة السمراء في وقت كشف فيه بحث لـ(منظمة العدل والتنمية) حول ليبيا والسودان والصحراء الغربية المصرية بعد إعلان دولة “البغدادي” عن اتصالات موسعة جرت بين تنظيم (داعش) و(أنصار الشريعة) و(القاعدة) بليبيا بهدف إقامة معسكرات للتنظيمات الجهادية المتشددة على الحدود المصرية الليبية وبالمناطق الجبلية الوعرة؛ وذلك بهدف إعلان إمارة الواحات الإسلامية وإمارة سيوة والعلمين والصحراء الغربية للتمدد داخل الأراضي المصرية. وحذر تقرير المنظمة من إمكانية سيطرة (القاعدة) و(أنصار الشريعة) على منابع النفط الليبية؛ مما يؤدى إلى توغل التنظيم داخل الحدود المصرية وهجرة عناصر القاعدة بشمال أفريقيا وتونس والجزائر والمغرب إلى المنطقة. وأشار المكتب الاستشاري للمنظمة برئاسة “زيدان القنائى” إلى أن غالبية التنظيمات الجهادية بدول غرب أفريقيا كتنظيم (التوحيد والجهاد) و(أنصار الشريعة) من تشاد ومالي والنيجر والجزائر وموريتانيا تعتزم مبايعة الدولة الإسلامية بالعراق تمهيداً لشن غزوات جهادية لفتح دول كمصر وتونس والجزائر وليبيا. وأشار “القنائي” إلى أن تنظيم القاعدة بالصحراء الغربية يسهل عمليات نقل الأسلحة الليبية والصواريخ إلى إمارة جبل الحلال بمحافظات سيناء والتي تضم جماعات (أكناف بيت المقدس) وتنظيم (القاعدة) بالعراق واليمن وعددا كبيرا من المقاتلين العائدين من الشيشان وأفغانستان وألبانيا. وأشار التقرير إلى إمكانية انتقال غالبية التنظيمات الجهادية من الدول المجاورة للسودان كالصومال ودول جنوب أفريقيا والصحراء الأفريقية إلى الأراضي السودانية وإقامة معسكرات للجهاديين على المناطق الحدودية الوعرة بين مصر والسودان والتي يتم عبرها تهريب الأسلحة تمهيداً لإعلان إمارة النوبة الإسلامية وإمارة أسوان الإسلامية ..
= تسخين الميدان
فمن الواضح أن هذه الإحماءات والتسخين الذي تجريه بعض الفصائل الإسلامية والمقاتلة يجيئ مصاحباً لمخططات مضادة يقودها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وغرب إفريقيا بمنظوماته وتوليفاته العسكرية المختلفة (أنصار الدين – التوحيد والجهاد – الموقعون بالدماء – الملثمون وبوكو حرام) عبر إستراتيجية القاعدة الجديدة لتطويق دول الإقليم بل ونقل بعض نشاطها من القارة الآسيوية للقارة الأفريقية عبر إعادة انتشار لقواتها وتكثيف خارطة وجودها في الشريط المشترك مع دول شمال وغرب ووسط أفريقيا لتصل حتى دول شرق أفريقيا المتاخمة لسلسلة جبال البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي في دول الصومال – تنزانيا. فالقاعدة بدأت رحلة البحث عن مواقع أخرى بعد انكشاف ظهرها في القارة الآسيوية – كان أهمها الزحف نحو دول القارة الأفريقية التي تعاني من حالة فراغ سياسي وانفلات أمني بعد سقوط بعض أنظمة الحكم فيها مثل (ليبيا – تونس) واضطراب أوضاع البعض ووجود بؤر النزاع مثل ما هي الحالة في أفريقيا الوسطى مع تصاعد نشاط التيار السلفي الجهادي وبداية نموّه وتمركزه في كثير من البلدان وجلوسه علي إمكانيات مادية وعسكرية وقدرات بشرية وقتالية ضاربة استفادت بدرجة كبيرة من الأسلحة التي جلبتها من مخازن السلاح بعد سقوط “معمر القذافي” لتكون منطقة الصحراء الكبرى ساحة وموقعاً ملائماً لقيام عمليات عسكرية مفتوحة وطويلة المدى ضد الوجود الأجنبي بشقيه (المدني والمسلح) في القارة الأفريقية كان آخر مشاهده التفجير الشهير الذي حدث في فندق (كورنيثيا) بطرابس وخلف العديد من القتلى والجرحى من دول أوربية وأمريكية وآسيوية، بجانب الخسائر المادية الفادحة. وكان (أبو سليمان) السوداني “خالد فيصل” أحد أبطال هذه العملية التي أطلق عليها غزوة الثأر والانتقام لمقتل “أبو أنس” الليبي ..
المجهر السياسي