في التاسع من أغسطس من العام ٢٠٠٩ كان عدد من السفراء الأوروبيين يلجون مباني وزارة الخارجية المصرية إثر استدعاء عاجل.. في قاعة الاجتماعات الكبرى كان في استقبالهم مساعد وزير الخارجية المصري.. السفير إبراهيم خيرت مضى مباشرة إلى الموضوع العاجل.. أوضح خيرت لضيوفه أن وزارته استقبلت عدداً من الشكاوى من مواطنين مصريين تعاملوا مع سفاراتكم في القاهرة تتعلق بالمبالغة وتعقيد الإجراءات.. ثم أضاف مساعد الوزير وبعض موظفيكم بالقنصليات يتعاملون بتعنت وإجحاف.. أحد السفراء الأوروبيين تحدث نيابة عن زملائه، وقال بالحرف: “أي موظف سيسيء معاملة المواطنين المصريين سيتم محاسبته فوراً”.
ضجت الأسافير مدة يومين بحادثة وقعت في القنصلية السودانية بجدة.. المواطن أسعد التاي- الذي اتصلت عليه هاتفياً البارحة- روى أنه تعرض إلى اعتداء وتعذيب وحشي وجماعي من منسوبين للقنصلية في جدة.. سبب الأحداث نقاش عادي بين مواطن ومسؤول، بعدها تم إدخال المواطن المغترب إلى داخل مباني القنصلية، (وعينك ما تشوف إلا النور).. ضرب وحشي، واعتداء لفظي، على رجل خدم في صفوف الجيش حتى تقاعد، ثم اغترب في رحلة البحث عن الرزق.
في تقديري قدم المواطن أسعد التاي قائمة اتهام متماسكة ضد بعض منسوبي قنصليتنا في جدة.. من شواهد صدق روايته أنه أكد أن الاعتداء ليست دوافعه سياسية؛ حيث إن أسعد من الناشطين في مجموعة (سائحون) على (الفيس بوك).. وحينما سألت أسعد إن كان قد تقدم بشكوى رسمية، بدا يائساً من جدوى الأمر.. التاي أكد أن السفير، وقنصلنا، في جدة على علم بكل التفاصيل، لكنهم لم يتحركوا حتى وقت اتصالي به.. هل تصدقون أن الحادثة مضت عليها ثمانية أيام، وأن أرفع موظف اتصل على أسعد التاي لم يكن سوى سائق القنصلية.
حاولت ليلة أمس أن استكمل تفاصيل المشهد، واتصلت على السفير كرار التهامي، المسؤول عن شؤون القنصليات، والذي وعد بمدي بالتفاصيل صباح اليوم- بالطبع- مرور أكثر من أسبوع دون أن تكون رئاسة الوزارة في الصورة- في ذاته- علامة استفهام.
بالطبع- حتى الآن كل المعلومات المتداولة بشأن الحادثة من طرف واحد وهو الطرف المتضرر.. لهذا مطلوب من الخارجية إصدار بيان يوضح رؤيتها لما حدث.. مع ضرورة تكوين لجنة تحقيق من رئاسة الوزارة، ومن المستحسن انتداب مندوب من وزارة العدل؛ لإجراء تحقيق أولي، يستمع إلى الطرفين، ورواية الشهود الذين هم على أتم الاستعداد للإدلاء بشهادتهم.. التحقيق الداخلي الذي تناثرت معلومات تفيد أن القنصلية بصدد إجرائه غير مفيد؛ لأن القنصلية وحتى السفارة أصبحت الآن طرفاً غير محايد.
في تقديري- إن أول درس يجب أن يتعلمه الدبلوماسي الذي يمثل بلادنا في الخارج هو كيفية حماية مصالح السودانيين العاملين في الخارج.. الآن السودانيون لا يشتكون من جور أرباب العمل في المهاجر بقدر شكوتهم من التعامل الخشن من دبلوماسينا الذين بيدهم القلم.