حماس والطعن في الظهر
> لا جدال في أن الأوضاع العربية تسير في اتجاهات وممرات متغيرة ومتسارعة وخطيرة، وقد ظهرت أخيراً حقيقة الحملة الارتدادية العكسية على ثورات الربيع العربي، وكان المأمول أن تلك الثورات ستدفع بالشعوب إلى غاياتها وتحقق تطلعاتها وتحررها من ربقة الاستكبار وبقايا الاستعمار، لكن سرعان ما أحكمت المؤامرة على أمتنا من كل جانب، وعادت القوى المعادية لتوجهات الأمة تتسيد مرة أخرى وتتحكم في مصائر الشعوب وتجهض أحلامها في التحرر.
> وكان واضحاً منذ الذي حدث في مصر وما يجري تدبيره في ليبيا واليمن والعراق وسوريا، أن نظاماً أمنياً إقليمياً ترعاه القوى الدولية المهيمنة على العالم، قد بدأ ينهض ويتقدم وتتجلى حالات سعاره ولوثة جنونه وحقده، وتجلى ذلك في حكم المحكمة المصرية قبل أيام الذي اعتبر حركة حماس ــ أنصع صور المقاومة الفلسطينية على مر تاريخ الصراع العربي الصهيوني ــ حركة إرهابية!!
> وهو حكم لا يمكن أن يُوصف بأقل من أنه حكم سياسي لصالح العدو الصهيوني، ويسقط ورقة التوت على سوءات ما يجري في أرض الكنانة ويكشط كل الادعاءات التي كانت تدعيها التيارات المصرية العلمانية والنخب التي دعمت الانقلاب على الشرعية بأنها مازالت تنبض بنبض التوجه القومي والدفاع عن القضية الفلسطينية، فقد انكشف الزيف والخداع وظهر جلياً أن التنسيق مع العدو الصهيوني بلغ أقصاه ولا مجال بعدما حدث لإنكار أن الإسرائيليين هم من يوجهون الحملة الارتدادية على الربيع العربي ويوجهون النخب الحاكمة والتيارات السياسية والمعلمنة التي تساند هذه التوجهات الخطيرة والمدمرة لقضية الأمة المركزية، وليس ذاك فحسب، فالمؤسسات القضائية والقانونية التي ولغت في هذا الحضيض هي التي تستخدم اليوم لذبح المقاومة الفلسطينية الشجاعة الباسلة، فلمصلحة من تعتبر حركة حماس حركة إرهابية، وهي حركة مقاومة وضعت بصماتها على وجه التاريخ، وهي حركة سياسية تخوض الانتخابات وتكتسح وتشكل الحكومة الفلسطينية قبل الخلافات التي فرقت بين غزة ورام الله، وتقدم أنموذجاً مشرفاً في النضال والكفاح والجهاد ضد عدو الأمة المتربص؟ فقط لمصلحة إسرائيل تتم هذه المؤامرة الدنيئة ونشهد فصولها السمجة تجرى في ساحات القضاء الذي ينبغي أن يكون هو ضمير الأمة وليس النصل الذي يغرس في قلبها.
> مثل هذا الحكم الخائب الخائر المهين، لن يكسر شوكة المقاومة الفلسطينية ولن يفت في عضدها، فقد واجهت الحرب والتدمير والتقتيل والحصار ولم تتحطم عزيمتها، وهي قادرة على تحمل ظلم ذوي القربى، وستخرج بعون الله من هذه المحن وهي أقوى وأكثر شموخاً ونضارةً وقوةً، فماذا يضير المقاومة، فقد كانت المواقف المخزية من قبل عندما تغلق في وجه الشعب الفلسطيني المعابر وعندما يتم التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي ضدها، وعندما تتفرج عليها العواصم العربية والشعب الفلسطيني يُذبح وتُصب عليها القذائف وتُستهدف البيوت والمساجد والمدارس والمستشفيات في غزة بالطائرات والمقاتلات الحربية الصهيوينة، ولم تمد عاصمة عربية واحدة وأقربها القاهرة أياديها لتنقذه أو تقف معه، والأقسى أن آخر حرب مجنونة نفذتها إسرائيل كانت بتنسيق مع الجيران والإخوة العرب وفي مقدمتهم السلطة الحاكمة اليوم في مصر.
> إن ما جرى في المحكمة المصرية وصمة عار في تاريخ مصر الناصع عندما كانت تعتبر نفسها قائدة الأمة والمدافع الأول عن فلسطين التي حارب من أجلها ومن أجل تحريرها صلاح الدين الأيوبي وقظز والقادة العظام في تاريخ الصراع حول أولى القبلتين، لكن يتراجع اليوم الدور المصري بل يخسف حكم المحكمة به إلى أسفل سافلين، وتصبح المؤامرة عبر حكم المحكمة هي الهدية الكبرى التي تقدم للعدو الصهيوني، وقد قام حكام مصر بالوكالة عن العدو الصهيوني بمحاولة نحر المقاومة الفلسطينية وطعن الشعب الفلسطيني في ظهره.
> ما الذي تكسبه مصر من كل هذا التردي والانحدار في دورها القومي والعربي، فمصر تعيش ظروفاً صعبة، أوضاعها الداخلية مأزومة، حدودها الغربية مع ليبيا مشتعلة ومواطنوها مستهدفون وضاقت عليهم الأرض بما رحبت في ليبيا، وحدودها الشرقية مع قطاع غزة بعد حكم المحكمة ستكون أكثر بؤساً، وشبه جزيرة سيناء تجتاحها ألسنة اللهب والاضطرابات الأمنية، ولم يتبق لها إلا حدودها الجنوبية مع السودان، وقد ينظر كثير من السودانيين بروح الشك للعلاقة مع مصر الرسمية الراهنة التي لم تراع علاقات الدم والتاريخ مع الشعب الفلسطيني، فكيف وهي تسمح بالحملات الدعائية ضد السودان، وبعض الأصوات التي تعلو في وسائل الإعلام المصري تستهدف السودان!!
> لمصلحة من تُجرى هذه الفواجع على مسرح اللامعقول في أرض الكنانة؟!