خالد حسن كسلا : تمرد شرطة «الجنوب» وواشنطن مسرورة!!

ليت ما يعيشه ويراه شعب جنوب السودان بمختلف قبائله من حروب حوّلت فرحة استقلاله إلى حزن عميق، يوعيه بأن ما كانت تتنافس عليه القوى الحزبية في الخرطوم هو العمل على تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في جنوب السودان، أما القوى الأجنبية فهي تعمل لخلاف ذلك. والدليل واضح كالشمس. وجنوب السودان قبل الانفصال بعقود إذا كان يرى أن الخرطوم تستعمره فهو الآن وفي الألفية الثالثة ينشق سياسياً.. لأن عنصر توحيده قد تلاشى تماماً بعد استقلاله من الشمال. وقد كان عنصر توحيده هو معاداة الشمال. الآن اذا قلنا إن الجنوب مهيئاً لإقامة ثلاث دول فيه يحكمها الأقوياء هناك وهم الدينكا والنوير والاستوائيون. وحتى إذا قامت هذه الدول الثلاث بالفعل.. فإن دولة الدينكا ستشهد بداخلها الصراعات بين فروع القبيلة وكذلك الحال سيكون عند النوير والاستوائيين.
فالدورة العنصرية لن تتوقف ولا يقيدها أن الناس أبناء قبيلة واحدة أو أبناء عائلة واحدة داخل القبيلة. وحتى تمرد جون قرنق عام 1983م لم تكن وراءه انتفاضة شعبية داخل الجنوب.. والجنوب طبعاً قبل الانفصال لم تحدث فيه انتفاضة شعبية، لكن القوى الأجنبية بالإغراءات كانت ومازالت تحرّك بعض أبنائه من أقري جادين الى جوزيف لاقو الى كاربينو الى قرنق الى مشار الى عشيرة جوزيف لاقو الاستوائية من جديد.
وشرطة الجنوب تتمرد، وهذا يعني انهيار القضاء تماماً.. وستتحرك ما تسمى المحكمة الجنائية الدولية لتصدر مذكراتها الاتهامية التجريمية وفق ما تهوى وتقول إن جنوب السودان ينعقد فيه الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية لأن السلطة القضائية انهارت بتمرد الشرطة. والشرطة طبعاً تعتبر أهم أداة لتمكين القضاء من ممارسة سلطاته.. والشرطة هي التي تحرس السلطة القضائية وتحمي مزاولتها لعملها لتحقيق العدالة للناس.. والشرطة هي التي تنظم العلاقة التمكينية بين الجهازين التنفيذي والقضائي التي بموجبها تمكن الحكومة القضاء من أن يكون مستقلاً دون تدخل منها، بل هي أيضاً يمكن أن تكون أمامه متهمة أو شاكية أو شاهدة.
الشرطة الآن تتمرد في الجنوب. إذن انهارت الدولة.. أو بدأت رحلة الانهيار.. فهل يتجه جنوب السودان بهذا الحال ليكون «مستعمرة» نفوذ أمريكي وإسرائيلي؟!
وأهم سؤال هنا نوجهه للحركة الشعبية وقبائل الجنوب.. «ولا أقول شعب الجنوب بعد انفصاله».. وهو: هل عجزت واشنطن عن حماية أمن واستقرار الجنوب بعد الاستقلال؟!.. أن ذاك «اللسان الطويل».. و «البوبار» الذي كان يظهره كولن باول؟!. هل طلب شعب «الجنوب» من واشنطن ألا تتدخل لاحتواء نسف الاستقرار وازهاق الأرواح وتدمير مرافق البلاد؟! هل المطلوب من واشنطن الآن أن تتحدث فقط عن ضرورة لقاءات سلفا كير ومشار دون أن تقوم بخطوة عملية على الأرض لإيقاف هذا العبث الذي وصل مستواه لتمرد الشرطة؟!
إن الشرطة تمردت بسبب تأخير المرتبات.. والمرتبات التي ينبغي أن تذهب اليها للأسف تذهب الى خزينة مرتبات قوات قطاع الشمال.. هل تفهم شرطة الجنوب هذا؟! وان كان دعم قطاع الشمال يأتي من جهات أجنبية ليست جنوبية «وهذا طبعاً غير صحيح بالكامل».. فإن الأولى أن يذهب مثل هذا الدعم الأجنبي لشرطة الدولة الجديدة في جنوب السودان حتى لا تتمرد.. وينهار بذلك القضاء وينعقد للمحكمة الجنائية الدولية الاختصاص في جنوب السودان. «الجنوب» الى عام 1983م كان يتمتع بنظام إقليمي ديمقراطي وحق تقرير مصير اداري واستفتاء وحريات، وكانت حكومة نميري تجتهد لدعم الخدمات المختلفة هناك كما هو معروف بعد اتفاقية 26 فبراير 1972م في أديس أبابا. وحينما رأى الغرب وإسرائيل أن قبائل الجنوب دون سكان كل إفريقيا حينها تتمتع بنظام حكم ديمقراطي وتنمية تنجز مشروعاتها من حين الى آخر، فكرا بقوة في استقطاب ضباط وجنود حركة أنانيا المدموجين داخل الجيش السوداني لقيادة تمرد جديد. وهو تمرد لا داعي له أصلاً إذا كان بسبب المطالب، وكان تمرد كاربينو وجون قرنق.. والآن تمرد مشار والشرطة.

Exit mobile version