:: الأخ مقداد خالد، بالصيحة، قدم تقريره المتميًز بواقعة حدثت بإحدى المركبات العامة بالجريف..بعد إنفصال الجنوب، تساجل وافد من دولة أجنبية مع أحد أبناء دولة جنوب السودان في أمر ما، وعندما إحتدً السجال قال الوافد الأجنبي لإبن جنوب السودان : ( إنت ذات المقعدك شنو في بلدنا؟)..وبهذا السؤال، أثار الوافد غضب ركاب البص الذين أنحازوا لإبن الجنوب وذكرًوا الوافد بأنه أجنبي في بلادنا.. !!
:: وما يميًز تقرير الأخ مقداد إنه تناول قضية الوجود الأجنبي بزاوية مختلفة..كل التقارير والأخبار والمقالات التي تعكس قضية الوجود الأجنبي لم تتجاوز محطة تحريض أجهزة الدولة على الأجانب، وذلك بإثارة أحداث وقضايا وجرائم وأمراض غير مبرأ منها المواطن أيضاً..فالإيدز، على سبيل المثال، حين يُكتشف فيروسه في أجنبي يصبح حدثاً مدوياً يستدعي ترحيل (كل الأجانب).. والسرقة، على سبيل مثال آخر، حين يرتكبها أجنبياً تصبح كارثة تستدعي ترحيل (كل الأجانب)..هكذا تقريباً تناقش التقاير والمقالات ومجالس الناس كل قضية طرفها أجنبي، أي بمعيار ( الشر يعُم).. وبهذا المعيار المعوًج، قد يتم تعريف المواطن السوداني بانه أشهر إنسان – على الكرة الأرضية – يكره الأجنبي ..!!
:: ( هل نحن مصابون بفوبيا الأجنبي؟)، عنوان تقرير الأخ مقداد.. تميز بخروجه عن المألوف ( التحريض، الكراهية)، وتوغله في المزاج السوداني الرافض للأجنبي وأسباب الرفض، وإن كانت الأسباب موضوعية أم لا؟.. فالتقرير بمثابة تشخيص رائع لحالة من الحالات التي يشخصها (علماء النفس)..لماذا نكره الوجود الأجنبي؟، فالإجابة حسب إفادات البعض بالتقرير ( التسول، الدعارة، الأمراض)..تلك هي الأسباب، فتأملوها ..أي ليس في أفراد شعبنا من يتسول، ومديتنا فاضلة بحيث لاتوجد فيها تجارة جنس، وكذلك لا نمرض ما لم نحتك بالأجانب.. ولهذا يجب ترحيل الأجانب جميعاً، صحيحاً كان أو أجرباً، متسولاً كان أو منتجاً، عاهرة كانت أو طاهرة.. أوهكذا يشتهي مزاج السواد الأعظم من أهل بلادنا، أي يشتهي وطناً خالياً من الأجانب .. وهذه حالة تستدعي الدراسة والعلاج..!!
:: المهم..بلادنا بحاجة إلى السلام و الإستقرار السياسي، ثم تقوية أجهزة الدولة وقوانينها بحيث تكون قادرة على إدارة (الموارد البشرية)..فالموارد البشرية بمكوناتها – الوطنية والأجنبية – تحكمها وتديرها إدارة عامة تتقن صناعة آليات وأحكام الحقوق والواجبات.. والفوبيا المسماة بالوجود الأجنبي لم تعد إلا من كوابيس وأوهام (الدول المتخلفة)..فالدول المتحضرة فقد تجاوزت – تلك الفوبيا – بحسن وسلامة (الإدارة العامة).. وهوية الإنسان في عالم اليوم – في إطار الحقوق والواجبات – لم تعد هي تلك الهوية ذات التصنيف التقليدي ( مواطن و أجنبي).. فالخيوط التي تفصل المواطن عن الأجنبي – في الحقوق والواجبات – صارت (رفيعة للغاية).. وحرية التنقل والإقامة والعمل – في إطار قوانين الدول – من حقوق أي إنسان.. والمدهش أن شعبنا أكثر شعوب الأرض إستمتاعاً بهذه الحقوق، آي جالياتنا هي الأكبر في الدول الأجنبية ومع ذلك نتوجس أو نرفض أو نكره الجاليات الأجنبية في بلادنا …!!
:: (العالم قرية)، ليس فقط بفضل ثورة الإتصال، بل بفضل التصاهر وتجاوز العقول للحدود الوهمية إلى حيث العيش بوئام وتبادل منافع تحت ظل الإنسانية المسماة حديثاً ب ( حقوق الإنسان) .. وبالمناسبة، الوعي الحديث بتلك الحقوق لم يأت بجديد، فالإنسان – أصلاً- مُكرم من قبل الخالق، ويجب أن يعيش مُكرماً و مطمئناً على حقوقه في الحياة..وما الشعوب والقبائل والأوطان إلا ( للتعارف فقط لاغير)، وليس للكراهية والتوجس..ويكفي أن أراك إنساناً وتراني إنساناً، أليس كذلك..؟؟