من الظواهر التي لم تكن مألوفة في المجتمع السوداني خروج المرأة أو الرجل أو الشاب دون أن تعرف وجهته وأحياناً يكون هذا الخروج لأسباب أسرية كالضغط على الشباب خاصة في أطوار المراهقة، فيخرج الفتى أو الشاب لجهة غير معلومة وتظل الأسرة تنشر صوره بالصحف المختلفة أو إذاعة بياناته عبر الإذاعة ويظل الغموض يكتنف من خرج من أهله، إلى أن يطويه النسيان أو تستسلم الأسرة حينما فشلت في الحصول عليه أو من يدل على مكانه، ويصبح الاختفاء سراً من الأسرار لا يعلمها إلا الشخص نفسه امرأة أو صبي أو شيخ عجوز، ولكن أحياناً ربما يظهر الشخص بدون أي مقدمات بعد غياب استمر لعشرات السنين إما مدرك لما قام به أو أصابته لوثة عقلية عاد بعد ذلك إلى وعيه الطبيعي وعاد لأسرته. وهناك من يخرجون إلى الدول العربية أو الأوروبية بهدف تحسين الوضع الاقتصادي، ولكن تنقطع الصلة بينه وبين أسرته ويظل البحث جارٍ عنه إلى أن يظهر فجأة أو يظل في عداد المفقودين.
فأمامي قصة أغرب من الخيال لشاب خرج من ذويه لما يقارب الثلاثة عشر عاماً وهو من أبناء تمبول ريفي البطانة يدعى “حاتم أحمد النور عبد الرحمن إمام”، خرج هذا الشاب من أهله دون أي مقدمات فبحثت عنه الأسرة في كل مكان ونشرت صوره عبر الصحف السيارة وأذيع عبر أجهزة الراديو ولم يعثر له. وفي إحدى الأيام شاهد أحد أقارب الأسرة شاباً يشبهه تماماً واقتنع مليون في المائة أن من رآه هو الشاب الذي اختفى من أسرته فترة الثلاثة عشر عاماً.. فما كان من الرجل إلا أن أبلغ أحد أقاربه بأن ابنهم المختفي قد ظهر في المنطقة الفلانية فأسرعوا، وبالفعل هرولت الأسرة إلى المكان الذي وجد فيه الشاب وحضر والده ونظر إليه ملياً وحلف بالطلاق أن من يقف أمامه هو ابنه الذي خرج منذ ثلاثة عشر عاماً. وجاءت والدته وأعمامه وأقاربه ولكن الشك بدأ يساور آخرين من الأسرة فالبعض يرى أن الشاب ليس ابن الأسرة، وآخرون قطعوا الشك بصحة ما قاله والده فانقسمت الأسرة إلى فريقين، بعد أن أدخل الشاب غرفة وأغلقت عليه تماماً وطلب من والدته أن تحتسي كوباً من القهوة والشاي ومن ثم تأتي لتدلي بشهادتها الأخيرة إن كان الولد فعلاً ابنها.. والوالد ينفي أنه ابنهم وأن أسرته من المدينة الفلانية وأن اسمه فلان الفلاني ويدرس بعض الدروس الدينية بإحدى الخلاوي فالتقط أحد الحاضرين صورة له وأخذ رقم هاتف أسرته فأرسلها عبر الواتساب وسألهم عن صاحب تلك الصورة، فجاءت الإجابة أنه فلان الفلاني ووالدته فلانة ووالده فلان وإذا رغبت أي أسرة في تزويجه من إحدى حسانها فلتفعل فهو ذو خلق ودين. ثم جاءت الأم لتدلي بشهادتها النهائية وعندما فتح لها باب الغرفة ونظرت إليه قالت إن الولد ليس ابنها. وهنا دخلت الأسرة في حرج شديد معه ولكنها أكرمت مثواه ومنحته مبلغاً محترماً من المال واعتذرت له، فذهب إلى سبيله ولكنها تطلب من يجد ابنها أن يسلمه إلى أقرب نقطة شرطة بأم درمان ونقول يخلق من الشبه أربعين.