ماتت حروف اللقيا.. وردي في جوبا.. يا بلدي يا حبوب

حينها كان الحلم بالوحدة ممكنا، الاستفتاء على بعد عام، من يريدونه كبيرا وموحدا يكتمون أنفاسهم وكذلك من يريدونه مشطورا، اليوم كان يوم زينة، وتحديدا يوم تدشين حملة سلفاكير في انتخابات (2010)، والناس محتشدة جوار قبر الزعيم الراحل د.جون قرنق دمبيور، والخطباء يتناوبون على المنبر، يجترون ذكريات الحرب والنضال قسوتها ومرارتها، وهذه المرارة كانت تدفع الناس دفعا نحو الفراق..
رئيس برلمان الجنوب جميس واني إيقا يلقي خطابه – وواني تطرب الجماهير لخطاباته وخطبه – تعالت أصواتها – صعدت زغاريد الفرح عنان السماء، صعد أحد الشباب المنصة وقطع واني إيقا خطابه ليعلن الشاب وصول الفنان محمد وردي إلى مكان تدشين الحملة بضريح الراحل جون قرنق، فترتفع الصيحات أكثر ويتدافع الجمهور إلى منصة الاحتفال ليشاهد وردي عن كثب، ولن نبالغ إن قلنا إن وردي في ذلك اليوم نافس المرشح صاحب الحملة سلفاكير الذي كان أكثر المرحبين بوردي.
من المنصة
بعد خطاب واني طالب الجمهور بأن يستمع إلى وردي، فطالبوا أن يؤدي أغنيته من المنصة التي يتحدث منها السياسيون، إلا أن وردي الذي خاطب الحفل قبل أن يغني قال “حضرت إليكم من فراش المرض بعد أن قدَّم لي الأخ الرئيس سلفا دعوة بالحضور وما كان ممكن أن أتخلف ولو صحتي تسمح لحضرت إلى الجنوب كل يوم”.. ومضى وردي مخاطبا الجمهور الذي ظل يستمع باهتمام وتأثر “حبي للجنوب قديم وعلاقتي بالحركة الشعبية قديمة ولي أصدقاء في كل جنوب السودان منذ زمن بعيد، وأنا أعتز بصداقاتهم، وأنا سعيد لاستقبالكم لي وأنا هنا اليوم لأننا خايفين على هذا البلد من التمزق”.. واعتذر وردي عن الصعود للمنصة لأن صحته لا تسمح بذلك..
وأول ما غنى وردي (يا بلدي ياحبوب) ليرتفع الغناء من كل الفرق الموسيقية الموجودة في مكان الحفل، وهي أكثر من ثلاثين فرقة ومن الحضور، وبعدها غنى (يا شعبا لهبت ثوريتك) التي تجاوب معها حتى الوزراء وقيادات الحركة.
ملحمة احتفاء
صعد د.رياك المنصة ليقدم سلفا المرشح، إلا أنه بدأ خطابه بشكر وردي، وقال “نحن هنا لنفوز بمنصب حكومة الجنوب ومنصب رئاسة الجمهورية وعشان كده وردي السمح معانا هنا انت سمح يا وردي”..
الرئيس سلفا عندما صعد للمنبر أيضا شكر وردي، وقال “نحن بنحب وردي ونحب كل الغنا البجينا من الشمال رغم أننا كنا بنتشاكل لعشرين سنة، والشماليين لو بعملوا بالكلام الفي غناهم ده ما كنا شاكلناهم ولا يوم واحد”..
بعد نهاية حفل التدشين نظر الجمهور إلى وردي الذي كان يجلس جوار الرئيس، وأصر الجميع على مصافحته.
في الجنوب الحبيب
وردي لم يعد إلى الخرطوم في اليوم الثاني مباشرة كما فعل جميع الوفد بما فيهم فرقته الموسيقية، وبقي في مدينة جوبا ليومين في ضيافة الحركة الشعبية وخلال إقامته زاره الرئيس سلفاكير في فندق جنوب السودان مرحبا به، وتجاذب معه أطراف الحديث وسط حضور معجبي وردي من أبناء جنوب السودان. وفي الأثناء أجرى تلفزيون جنوب السودان معه لقاءً أعلن فيه تبرعه بجميع أغانيه لتبث مجانا على تلفزيون جنوب السودان، وأكثر من ذلك قال “أتبرع بجميع أعمالي لتبث بالمجان في تلفزيون جنوب السودان، ومن يطالب بحقه الأدبي من الشعراء والملحنين أنا سأدفع له من جيبي، هذا كل ما يمكن أن أقدمه لجنوب السودان الآن حتى يظل هذا البلد سالما من الحرب وواحدا لأننا نحبه كثيرا”.
في حضرة الوطن
وردي في ذلك اليوم كان سفيرا للسلام والوحدة بلا تكليف أو تنصيب من أحد وأنجز بحضوره وأغنيتين ما عجز عنه السياسيون والمفكرون من دعاة الوحده في الأربع سنوات الماضية، لن يفوت المتشائمون الفرصة ليقولوا، لكنه قد جاء متأخرا، اليوم رحل الفنان العظيم ووقع ما كان يخشاه وتمزق وطن.

اليوم التالي

Exit mobile version