:: طوال الحقب الفائتة، بلادنا لم تكن تقدم لدول الخليج غير الطبيب والمهندس والإداري والمحاسب وأستاذ الجامعة و معلم المدرسة، ثم العمالة الماهرة في تربية المواشي وغيرها من المهن (الشريفة والمرهقة)..وأهل الخليج يذكرون بلادنا بالخير ويحفظون الجميل للأفكار والعقول والسواعد التي شيدت دولهم بمنتهى الصدق و الإخلاص..ولايزال بميزان دول الخليج، إلى يومنا هذا، الجاليات السودانية (في كفة)، والجاليات الأخرى ( في كفة أخرى)، حين يكون الحديث عن الصدق والإخلاص.. ولذلك، لم تتأثر أوضاع العمالة السودانية بكل دول الخليج – بما فيها الكويت – بالمؤثرات السياسية التي تخلقها حكومة بلادنا بين الحين والآخر، ولم يشهد أي عامل سوداني تشريداً أو ترحيلاً إلا في إطار ( قانون العمل)، وليس ( قانون السياسة).. !!
:: وبفضل الله ثم بحسن سيرة الجاليات السودانية بدول الخليج، كانت – ولاتزل وستظل – علاقة شعبنا بشعوب الخليج علاقة (محبة وتقدير).. شعوبهم لم – ولن – تنسى أفضال عقولنا وسواعدنا إلتي نهضت بدولهم، وكذلك شعبنا لم – ولن – ينسى خيراتهم التي كانت ولاتزل تساهم في إقتصاد بلدنا وإستقرار مجتمعاتنا..وكنا، ولازلنا نشتهي بأن تظل سيرة أهل جوهرة في دول الخليج العربي، ولكن – للأسف – قد تأتي الأقدار بما لا نشتهي، وهنا ( مربط فرس الزاوية).. ونأمل أن تتسع دائرة (النقاش الحر).. نعم، فالهمس بالقضية لم يعد مجدياً، وكذلك ليست من الحكمة إنتظار المفاجأة حتى تصبح (طامة كبرى)..ولذلك، نزيح الستار عن القضية التي تؤرق مضاجع جالياتنا بالخليج، وهي رغبة بعض دول الخليج في فتح فرص العمل للسودانيات في مهنة ( عاملات المنازل)..!!
:: وعفواً، فالأمر ليس في مرحلة (الرغبة والتفكير)، بل هناك شواهد وأخبار تؤكد إنتقال الأمر ببعض دول الخليج من مرحلة (الرغبة والتفكير) إلى (مرحلة التنفيذ)..وهناك مواقع خليجية تبشر بذلك وتطالب حكوماتها بتوسيع (فرص إستقدام وإستخدام السودانيات بالمنازل)..ولغة الخطاب بتلك المواقع تعكس مثلاً سودانياً فحواه (العايز يشوف فاطنة في البيت، يشوف محمد في السوق)، أي بتجاربهم التي أحسنت ظنهم في الرجل السوداني في شركاتهم ومصانعهم ومراعييهم، يحسنون الظن أيضاً في المرأة السودانية حين تعمل في منازلهم..ولذلك، قد يتحول هذا الطلب الهامس هناك في المستقبل القريب جداً إلى ( هدير شعبي)..والقضية كما هي (صادمة جداً)، فهي أيضاً (شائكة جداً) ، وتناولها إعلامياً بحاجة إلى النظر إليها بعدة زوايا، بحيث (لانسئ ولا نهرَج)..!!
:: هناك، الأنظمة الحاكمة لن تفرض على أفراد شعبها هوية وجنسية خدم منازلها بحيث تلزمهم إستقدام وإستخدام (الفلبينية فقط، أو الإثيوبية فقط)..هذا الإلزام يصبح مستحيلاً – وغير قانوني أيضاً – في حال تزايد (المطالب الشعبية)..والوعي العام بقوانين الحريات الشخصية في كل دول العالم – بما فيها الخليج – تجاوز مثل هذه القيود، بحيث يُحق – أو قد يُحق – لأي مواطن خليجي إستقدام وإستخدام من يشاء ( سودانية كانت أو إثيوبية أو هندية)، كما الحال في بلادنا في إطار قانون العمل، وحسب تقدير الكفيل أو صاحب المنزل وحسن ظنهما في ( العاملة)، بغض النظر عن هويتها..وهنا أيضاً، بنص دستور بلادنا وكل القوانين المتفرعة منه، لا تستطيع أجهزة الدولة أن تفرض أي نوع من أنواع الحظر على المرأة ، ما لم يكن سبب الحظر (مخالفاً للقانون) .. !!
:: والأسئلة المحرجة..هل عمل المرأة بمنزل غيرها مخالف للقانون السوداني؟، وهل سفرها إلى الخارج بغرض العمل مخالف للقانون السوداني؟..فالمرأة السودانية تعمل بمنازل غيرها بالسودان، وكذلك المرأة الطبيبة والمهندسة والموظفة تسافر بغرض العمل خارج السودان..وعليه، كيف – و بأى آلية – تستطيع أجهزة الحكومة منع عمل المرأة السودانية بالمنازل خارج السودان؟..لايُوجد نص قانوني يمنع ذلك..ثم، قد تسافر الفتاة السودانية بعقد موظفة إستقبال في فندق أو موظفة حسابات في شركة، ثم تعمل هناك بمنزل صاحب الفندق أو الشركة ، أي ( تحايل على القوانين )، كما حال عقود عمل كثيرة بالخليج، أليس كذلك؟.. قبل الإجابة، إرجعوا البصر كرتين إلى ذاك الإعلان الشهير (إعلان الإنتباهة)..
:: كان إعلان الإنتباهة يشبه إلى حد ما ( مطلوب خدم منازل)، ولكن شروط الطول والعرض واللون والقوام الواردة في نصوص الإعلان هي التي أثارث الرأي العام، وليس (مضمون الإعلان)..والله يعلم كم فتاة سودانية تعمل اليوم في منازل بعض أهل الخليج؟، ولكن المؤكد – حسب الشواهد والوقائع التي بطرفنا – أنها تعمل..المهم، بؤس حالنا الإقتصادي – وهو الإبن الشرعي لبؤس حالنا السياسي – لن يُقاوم ويرفض عقودات (عاملات المنازل)..وفي قضية كهذه خير أن نخاطب أسرنا ومجتمعنا ليتبهوا لمخاطر (الخدمة المنزلية) في بلاد الآخرين..نعم، فالأسرة هي المسؤولة عن ( عمل بناتها)..والعلاقة بين سلطات الأنظمة وحريات العامة دائماً عكسية، أي كل ما إتسعت الحريات العامة تقزمت سلطات الأنظمة..!!
[/JUSTIFY]
الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]