في يوم الثلاثاء 8 فبراير عام 1965 حطت طائرة ملكة بريطانيا اليزابث، في مطار الخرطوم. كانت الأجواء السياسية دقيقة وحرجة للغاية، بعد سقوط نظام الرئيس إبراهيم عبود، الذي كان هو من وجه إليها الدعوة الرسمية لزيارة السودان، وحضرت الملكة تلبية لدعوته.
أربعة أشهر فقط مضت على الإطاحة بنظام حكم الجنرال عبود في أكتوبر 1964. والسودان يمر بأزمة سياسية وتعارك بين الأحزاب السياسية وصل أشده، وكانت الشكوك تحيط بإمكانية المُضي قدماً في ترتيبات الزيارة التي استغرق الإعداد لها أكثر من سبعة أشهر. وظلت السفارة البريطانية في الخرطوم تحيط القصر الملكي بتطورات الأوضاع في السودان لحظة بلحظة، حتى يمكن اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب بوقف أو مواصلة ترتيبات زيارة الملكة إلى السودان.
في يوم الأحد 6 فبراير كتبت صحيفة (قلاسقو هيرالد) في صفحتها الأولى هذا الخبر.
الملكة تزور السودان
لندن – من المحرر الدبلوماسي.
الزيارة الرسمية للملكة إلى السودان ستتواصل كما هو مخطط لها. كانت هناك ثمة شكوك تحيط بالاستقرار في الحكومة السودانية ومدى قدرتها على الحفاظ على النظام العام. المظاهرات صغيرة الحجم ولا يبدو أنها تحل موقفاً ضد بريطانيا. الحكومة السودانية استطاعت أن تمنح الضمانات الكافية للسفير البريطاني في الخرطوم السير اين سكوت، والذي أوصى باستمرار الزيارة.
خلال إقامتها بالسودان تجولت الملكة في كثير من أنحاء العاصمة بمدنها الثلاث وزارت مدينة الأبيض أيضا.
الاستقبالات الشعبية كانت كبيرة للغاية. احتشدت الجماهير في مختلف الشوارع التي مرت بها الملكة خلال تجوالها في الخرطوم لحضور مختلف المناسبات التي أقيمت خصيصاً للترحيب بمقدمها.
ولم يعكر صفو الزيارة سوى حادثة (الطماطم). فما الذي حدث؟
كتب السفير البريطاني أين سكوت في مذكراته يقول:
(الطريق كان متراصاً بالحشود الشعبية لتحية الملكة. غالبيتهم من الطلاب. ولكن في مكان ما رشق أحد الطلاب بـ(الطماطم) السيارة التي كانت تقلها مع الدكتور التجاني الماحي، الذي كان رئيساً لمجلس السيادة خلال فترة زيارتها للسودان.
زملاء الطالب أمسكوا به وفي الحال انحرفت بعض سيارات الشرطة التي كانت تحرس الموكب وألقت القبض على الطالب. عندما أتيحت لي فرصة للدردشة معها بعد ذلك سألت الملكة هل لحادثة رميها بالطماطم. أجابتني بالإيجاب. قالت لي نعم أصابتني اثنتين منها والثالثة أصابت د. التجاني الماحي).
زيارة إلى حديقة الموردة
زارت الملكة المدن الثلاث التي تتكون منها العاصمة السودانية الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري.
في أم درمان بالتحديد أقيم لها حفل تكريم في حديقة الموردة في يوم 11 فبراير 1965. الحفل نظمه المجلس المحلي للخرطوم. وألقت الملكة كلمة عبرت فيها عن سعادتها بالحفاوة، وقالت إنها سعيدة بزيارة مدينة (تاريخية) مثل أم درمان.
الملكة تزور مدينة الأبيض:
يوم 10 فبراير 1965 زارت الملكة اليزابث الثانية مدينة الأبيض واستقبلها حشد من (80) ألف فارس على ظهور أحصنتهم وجمالهم. لكن حشداً صغيراً من الطلاب انتهزوا الفرصة للتظاهر احتجاجاً على سياسات بريطانيا في اليمن.
أقيم حفل استقبال أنيق للملكة في القصر الجمهوري ثم دعت السفارة البريطانية الجميع لتناول الغداء على شرفها في منزل السفير. ومن ثم نظمت لها وزارة الخارجية رحلة نيلية.
يروي السفير البريطاني حادثة فريدة. في مذكراته قال:
من أهم مؤشرات زيارة الملكة لبريطانيا ما شاهدته في الساعات الأخيرة لها. بالتحديد في الرحلة النيلية. التي ذكرتنا ببواخر غردون التي استخدمها في القرن التاسع عشر.
رئيس الحزب الشيوعي السوداني والذي استمتع بالرحلة كثيراً اتجه نحو الملكة اليزابث ورفع أمامها الكأس قائلاً “جلالتك.. فلنشرب نخب صحتك.. أقول لك هذا بصفتي رئيساً لحزب جلالة الملكة الشيوعي المخلص) وروى القصة أيضا السيد محمد أحمد المحجوب، في كتابه (الديمقراطية في الميزان). وأضاف أن الملكة انفجرت بالضحك.
مغادرة الملكة:
في صباح يوم 12 فبراير 1965 غادرت الملكة مطار الخرطوم إلى لندن التي وصلتها في الساعة الرابعة عصراً.
صحيفة أخبار الصباح اللندنية (مورنق نيوز) لخصت الزيارة فكتبت في يوم 12 فبراير 1965:
(انتهت الزيارة الرسمية للملكة اليزابث وزوجها الأمير فيلب للسودان. الملكة والأمير غادرا الخرطوم هذا اليوم إلى بريطانيا. الزيارة حققت نجاحاً كبيراً. والطريقة التي عبر بها الشعب السوداني عن فرحته بالملكة تبرهن على قوة العلاقات بين البلدين. كان الاستقبال حاراً ما عدا مظاهرات محدودة في مدينة الأبيض
التيار