سادت الكثير من العادات والموروثات سابقا في السودان وأصبحت جزءاً أساسياً من حياة الناس نذكر منها على سبيل المثال الشلوخ التي كانت تعد وإلى وقت قريب إرثاً ثقافياً لكل المجموعات الثقافية لكنها وبمرور السنوات اكتسبت أبعاداً جمالية فاستخدمت كزينة للنساء.
وتبارى الشعراء في التغني بها على شاكلة (يلوح في خده عارض) و(الشليخ الحسنك فصادة)، كما أنها تجاوزت لاحقاً المفهوم الإثني الضيق لتصبح (أوساماً) لمريدي ومنسوبي الطرق الصوفية، وهذا ما يسمي بالبعد الديني للشلوخ، ومنها مطارق الشيخ إدريس وشلخ مدقاق ودبدر.
ثنايا الأغنيات
لكن في نهاية أربعينيات القرن الماضي برزت ومع بداية عهد التنوير والمعرفة وانتشار التعليم والمدنية ظهرت تيارات رافضة لهذه العادة، فانتشرت إثرها الأغاني التي تعبر عنها، ولنا في أغنية عبد الرحمن الريح وحسن عطية أسوة، إذ تغنيا بـ (ما شوهوك بفصادة على الخدود السادة) وهنا لا ينبغي أن ننسى أغنية الجاغريو وأحمد المصطفى (السادة كلميني).
في سيرة المريسة
ما لا يذكره الناس من العادات السودانية التي كانت سائدة في معظم بقاع البلاد (المريسة) التي كانت تحتسى يومياً في الأنادي (جمع إنداية)، وبين الحين والآخر في المناسبات الاجتماعية، بالنسبة لمؤرخين كثيرين، فإن (المريسة) كانت تعرف باسم (حنقت) وكانت لها سيرة باذخة في وادي النيل الذي عرفت شعوبه صناعة وشرب (الخمور) بأنواعها المختلفة منذ زمن بعيد، حتى أن ذكرها كتبت على شواهد القبور، ويمضي المؤرخون إلى القول أنه وحتى بعد انتشار الاسلام وإلى وقت قريب كان السودانيون يدأبون على شرب المريسة إلى أن أعلنت الدولة المهدية الحرب عليها واعتبرتها (محرمة).
الأنادي والمواخير
في زمان مضى كانت المريسة تحتسى في أماكن مخصصة لها تسمة بالأنادي، وهي حانات ومواخير شعبية كانت منتشرة في معظم أنحاء السودان يؤمها طلاب اللذة والطرب، وبعيد دخول الأتراك والمصريين (الحكم الثنائي) عينوا لها خفراء وسموها (الكرخانة) فخففها الأهالي إلى (الكارا)، وللأنداية قوانين ونظام داخلي، حيث تقسم مجالسها إلى تايات، والتاية الواحدة تعادل (الشلة) فصار لكل أصحاب مهنة (تاية) خاصة بهم. وفي السياق ذاته، فإن المريسة تصنع من المواد الخام المحلية (الحبوب) كالدخن والذرة والتمر، ففي شمال السودان مثلاً هنالك نظام لاجتراع المريسة في الأفراح كالعرس والختان، فعندما يقترب يوم الفرح يجهز أقرباء العريس في قدوراً من (المريسة). وفي السياق، يقول الباحث الراحل الطيب محمد الطيب الذي طاف معظم (أنادي) السودان من أجل البحث والتقصي، فكتب كتابه الشهير (الإنداية) الذي جاء فيه أن الشيخ فرح ود تكتوك ذم المريسة شعراً، وقال فيها: المريسة مُرّه وتعيسة تاكل الفطيسة/ تمرق الكلمة الخبيثة وتتور النبيشة/ خبزوها وجابوا الصفّايه/ واجتمعو فوقا أهل الراية/ في التوحيد ما ليهُن غاية/ صفوها من عصراً بادي/ واجتمعوا فوقا الفدادي إبليس ليهن قاضي من ملة محمد غادي.
الزار (السايكودراما)
ممارسة علاجية نسائية تُسمى علمياً (السايكودراما) أي العلاج من خلال الدراما، ويرجع تاريخ الزار إلى مملكة الفونج. ويقال إنه دخل السودان عن طريق إثيوبيا فأغلب المصلحات المستخدمة فيه حبشية، فشيخة الزار هي الوسيطة بين المريض والأرواح، وحفل الزار هو علاج للاكتئاب والهيستريا، إلا أن الراجح تاريخياً أن عبارة (زار) تأويل الإله (جار) الذي كان يعبده البلميون (سكان السودان الشمالي والشرقي وجنوب مصر القدماء)، وبعد انحسارهم إلى الحبشة ظلوا على عبادتهم لذات الإله الذي أطلق عليه الأحباش (زار)، ثم ما لبث الأمر أن تحول إلى عادة بعد انتشار المسيحية والإسلام. واستمر الزار في السودان كممارسة شائعة تحظى بقبول اجتماعي علني، إلى أن جاءت المهدية ومنعته، فانحسر إلى حدود ضيقة، غير أن علماء النفس وأبرزهم الراحل الدكتور التجاني الماحي اعترفوا به ضمنياً، واعتبروه علاجاً نفسياً لا بأس به. وفي هذا السياق، يشار إلى أن أهم مراسمه بالصيفة السودانية هو (يوم فتح العلبة)، وهو يوم الأحد من كل أسبوع، إذ يتم التعرف فيه على نوع الجن الذي يتقمص المريض هل هو حبشي أم خواجة أم غيرهما، إلى ذلك كان شيوخ الزار يتوسلون إلى ما يعتقدون أنه جني تلبس المريض بذبح خروف أو ثور قرباناً له، على أن يكحل ويضمح بالحناء قبل ذبحة، وكانت ولا زالت جلسات الزار تنعقد يوم الأربعاء من كل أسبوع في بيت الشيخة أو المريض، المريضة وتدق الطبول بدقات بصخب وتطلق أدخنة البخور المعطر، وعندما تنفعل المريضة مع الإيقاع يقال إن (فلانة خيطا جا)، لكن هذه الممارسة انحسرت كثيراً في الوقت الراهن وإن لم تختف تماماً.
دق الشلوفة
وعن عادة دق الشلوفة، يقول دكتور محمد المهدى بشرى من مركز الدرسات الأفريقية والآسيوية (قسم الفلكور الشعبي) إنها كانت وسيلة لتجميل المرأة. وأضاف: كان دق الشلوفة يتم بواسطة الإبر أو الأشواك مع حشوها بالكحل المخلوط بمادة شبيهة باللبان المحروق، لكن هذه العادة، وكغيرها بدأت في الانحسار منذ ثلاثينيات القرن المنصرم بسبب التعليم ثم اختفت تماماً.
اليوم التالي