الأسبوع الأول من الشهر الجاري، وقعت على حوار أجرته صحيفة (البوابة نيوز) الإلكترونية المصرية مع (أحدهم) عرفته بأنه السفير (يوسف ناصر حامد) زعيم حركة تحرير شعب (بنى شنقول) المسلحة في إثيوبيا. وفي الحوار الذي بدا لي مصنوعاً بـ(بلاهة) قال السفير الإثيوبي السابق والمتمرد في فنادق (كايرو) أن حكومة بلاده خدعت المصريين بمسألة الحوار حول سد النهضة، إذ أنها تواصل العمل على قدم وساق في بنائه، وتستعين في ذلك بمهندسين وتقنيين إسرائيليين، وبالتالي فإن حركته التي لم يسمع بها أحد غير (محرر البوابة نيوز) ستُصعِّدْ من كفاحها المسلح لإجلاء إثيوبيا عن الإقليم والسد الذي يمثل تهديداً للوجود لمصر، إذ يعرضها للعطش والجوع.
بالطبع لست هنا لأقلل من بعض مستحقات شعب بني شنقول العريق ضمن السياق الأثيوبي العام، لكنني أحاول تفكيك بعض ما ورد في الحوار على لسان (زعيم المتمردين) كما سمى نفسه، لأن الحقيقة الماثلة على الأرض هناك تقول إن ليس ثمة تمرد مسلح في بني شنقول، ولو كان ذلك كذلك لما بذلت إثيوبيا (كل ما تملك وما لا تملك) في تنميته بصورة لم يشهدها منذ الاستعمار التركي المصري وإلى الآن، وأن أحد أسباب تخلفه التاريخية التي لا تزال ماثلة هو الاحتلال المصري له من أجل الرجال (تقرأ الرقيق) والذهب.
هذا جانب، وفي الجانب الآخر تصل المغالطات حد (الفبركة) وربما (الجهل)، فقوله إن إثيوبيا خدعت مصر بالحوار على السد، بينما تواصل بناءه يبدو مثيراً للرثاء والشفقة، إذ يعلم الجميع بما فيهم المصريون أن إثيوبيا أعلنت أنها لن تتوقف لحظة عن بناء السد، لكنها في الأثناء ستظل تتحاور مع كل الأطراف ذات الصلة (ليس من بين تلك الأطراف حركة يوسف ناصر) الافتراضية، وأن السودان وافق ضمناً وعلانية على إنشاء السد، وأن لمصر تحفظات لا ترقى إلى (الرفض القاطع)، وأن الحوار لا يزال جارياً بين الطرفين المصري والأثيوبي.
عليه فليس هنالك طرف ثالث أو رابع، السودان واثيوبيا طرف ومصر طرف ثانٍ، بيد أن السفير السابق لا يدري أن يستخدم الآن كورقة ضغط بالية لا (بتودي لا بتجيب)، تماماً كما أنه لا يدري ما معنى اسم (بني شنقول) الذي زعم أنه يقود (تمرده)، قال لا فض فوه إن معنى (بني شنقول) في اللغة الدنقلاوية النهرية القديمة هو (بلاد الذهب)، والحقيقة أنه غير ذلك، كما أن الحقيقة تؤكد أنه لا توجد لغة اسمها (الدنقلاوية النهرية).
لكن الأكثر طرافة في ما قاله السفير مبرراً (تمرده)، أن بني شنقول يختلفون عن بقية الإثيوبيين في اللغة والتقاليد والثقافة، وكأن يريد أن يوحي للقارئ بأن إثيوبيا كلها في (كوم ثقافي وعرقي وديني) واحد (وبني شنقول) في (كوم آخر) أقرب المصريين، والحقيقة تقول إن إثيوبيا شعوب وقبائل وأعراق وأديان ولغات وثقافات بالغة التعقيد والتنوع، حتى (بني شنقول) أنفسهم ليسوا على دين ولا عرق ولا ثقافة واحدة.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي