خبير مصرفي: تحويل رواتب العمال الأجانب إلى نقد أجنبي أدى إلى ارتفاعه
ميرغني: لا حاجة لعمالة أجنبية بعد الانفصال
عز الدين إبراهيم: التحويلات ساهمت في ضعف الجنيه مقابل الدولار
تحقيق: إقبال العدني
مبالغ كبيرة يفقدها الاقتصاد سنوياً من تزايد وخروج المليارات من موارد النقد الأجنبي. فحركة التحويلات الخارجية المتزايدة بسبب التوافد الكبير للشركات الاستثمارية والاستعانة بالآلاف من العمالة الأجنبية؛ أدت إلى فقدان البلاد لموارد ضخمة من النقد الأجنبي تعادل 80% من دخل البلاد، فخرجت مليارات الدولارات عبر المصارف التجارية للخارج عبر تحويلات مستحقة للأفراد والشركات العاملة، بالإضافة الى استقدام الشركات لعمالة بهدف تسيير العمل، مما أفقد الفرصة للعامل السوداني أن يتحصل على عمل يجني من ورائه مورد رزق يعينه على مصاعب الحياة، وأصبح التنافس كبيراً بين الشركات والمؤسسات الاستثمارية لاستقدام عمالة من الخارج، فدخل الآلاف من العمالة لسوق العمل في قطاع البترول والبنوك والتشييد والبناء وغيرها من المجالات، بينما تدب حركة نشطة تشهدها قطاعات المطاعم والفندقة؛ استحوذت على نسبة هائلة من العمالة الأجنبية الوافدة، وأصبحت المطاعم البلدية والشعبية هي المكان الآمن للعامل السوداني. التحويلات النقدية للخارج من قبل الأجانب؛ أدت الى ضعف العملة الوطنية وشح النقد الأجنبي، ولأهمية أثر التحويلات النقدية وأثرها على اقتصاد البلاد، استطلعت (التغيير) خبراء مصرفيين ومختصين لمعرفة الآثار الناجمة، وخرجت بالحصيلة التالية.
ضعف العملة
يرى الدكتور عز الدين إبراهيم؛ الخبير المصرفي لـ(التغيير) أن التحويلات الحالية من قبل العمال الأجانب تسهم في ضعف العملة الوطنية مما يتطلب معالجته من قبل الدولة في شكل معالجات سريعة للعمل على وقف تدهور الجنيه مقابل الدولار، ووصف التحويلات المالية للخارج بالمتزايدة، وشدد على ضرورة قيام البنك المركزي بمعالجات عاجلة، ونوه الى أن الاستثمار الأجنبي له مردود إيجابي على الاقتصاد إلا أن ذلك سيكون له أثره السلبي على واقع العملة الوطنية، وأضاف أن زيادة أعداد العمالة يعني زيادة في الأموال التي يتم تحويلها الى الخارج، وأكد أن سعر الصرف أصبح طارداً للعمالة الأجنبية. لكنه استدرك قائلاً في ظل تدهور الجنيه السوداني وسعر الصرف أصبح طارداً للأجانب، وقلل من التحويلات، وقطع بأن الطلب على الدولار بسبب التحويلات الأجنبيه له أثر واضح في سوق النقد خاصة أن العمالة الأجنبية بدأت تطالب بأجور عالية لتعويض النقص في بلدانهم.
تغذية السوق الموازي
من جهة ثانية، قال الدكتور شوقي عزمي؛ الخبير المصرفي إن العمالة المقننة والتي تدخل البلاد بتصديق من وزارة العمل، عمالة أجنبية يكفل لها التمويل رسمياً عبر الصرافات والبنك حسب اتفاقيات العمل الموجودة، بينما العمالة العشوائية التي تدخل البلاد عن طريق الهجرة غير المشروعة من خلال حدود البلاد الشاسعة وتصبح واقعاً في سوق العمل السوداني، وهذه العمالة تعتبر مغذية للسوق الموازي ورافداً له، ووصف عزمي في حديثه لـ(التغيير) التحويلات للعملية الرسمية بغير المؤثرة وليست كبيرة مقارنة بالعشوائية؛ فإنها تؤثر على سوق النقد الأجنبي لجهة شرائها العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار من السوق المحلي وتهريبه عبر قنوات غير مشروعة، وشدد على ضرورة معالجة هذا النوع من العمالة كجزء من المعالجات الاقتصادية حتى لا تكون خصماً على الاقتصاد.
(17) مليار دولار شهرياً
الى ذلك قطع الدكتور ميرغني بن عوف؛ الخبير الاقتصادي بعدم حاجة القطاع النفطي بالبلاد لعمالة أجنبية، وطالب بضرورة سن قوانين لدخولها للبلاد وضبط الحدود وحمل الأجهزة الرسمية مسؤولية دخول العمالة غير الرسمية، وكشف عن أكثر (17) مليون دولار تحول شهرياً من قبل الأجانب لذويهم، أي ما يعادل 70% من دخل البترول سابقا، وأن نسبة 60% من الأحباش يعملون بقيادة الركشات بدلاً عن السودانيين مما أدى إلى زيادة معدلات الهجرة من اثيوبيا بنسبة (1000) يوميا، وشدد على أهمية قرار سياسي حاسم لقضية العمالة الأجنبية باعتبارها أكبر مهدد للأمن القومي، فيما وصف الوجود الأجنبي بالبلاد بالخطر على الملفات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ودعا الى ضرورة تحفيز العامل الوطني وتوفير الظروف الاقتصادية وفرص العمل، وطالب بتنظيم العمالة الأجنبية والقيام بدراسة لمعرفة خصائصها الاقتصادية، بالإضافة الى وضع قوانين تتماشى مع سوق العمل، وزاد أن الوضع يتطلب التنسيق والتعاون بين الجهات المختلفة، وأن يتم ذلك وفقاً لدراسة ورؤية محددة، وذلك بخروج موارد كبيرة من التحويلات الأجنبية لخارج البلاد بالتأكيد له أضرار اقتصادية ويؤثر بصفة مباشرة على العمالة المحلية، خاصة في ظل وجود أعداد في انتظار التوظيف، إلا أنه استدرك قائلاً لكن الهجمة الاستثمارية قابلها مزيد من العمالة الأجنبية في الاقتصاد، واعتبر التحويلات خطراً يهدد النقد الأجنبي وتوافره بالبلاد. وعزا ذلك الى تحويل العامل كافة مرتبه الى دولارات مهما صغر المرتب خاصة الاستثمارات الصغيرة والخدمية والتي تشكل المطاعم أكبر حاضن للعمالة الأجنبية بها، والسوق الأسود مستقبل يومي لهم، ويشكلون زبائن ثابتين له، وقطع بوجود تحويلات بطرق خفية أدت الى زيادة وارتفاع العملات الحرة، وأبان أن ذلك يتطلب ضوابط وقوانين لمنع الدخول الأجنبي، وأكد عدم وجود سياسة قوية لتقليل وجودهم بطريقه قانونية، وألمح الى سماح الدولة لدول محددة بالتواجد.
ضبط وترشيد
البروفيسور عبد الوهاب عصام بوب؛ الخبير الاقتصادي يقول إن تحويلات العمالة أدت الى ضعف العملة الوطنية، وقوة العملات الأجنبية مقابل (الجنيه) خاصة الدولار الذي شهدت أسعاره ارتفاعاً في الفترة السابقة، وأضاف أن أرباح بعض الشركات الأجنبية بالبلاد بالعملة الحرة أثر على العملة الوطنية خاصة في ظل تعاملها بالدولار، وأشار الى تركيز العمالة في المجال الخدمي لفئات محددة كانت العمالة المحلية كفيلة بأن تسد مكانها، وقال إن زيادة أعداد العمالة يعني زيادة في الأموال التي يتم تحويلها الى الخارج، مما يستدعي ضرورة عمل ضوابط مشددة لدخول العمالة الأجنبية بالبلاد، بهدف الحد من المشاكل التي تنجم عنها، الى جانب عمل ضبط في التحاويل للخارج عبر استهلاك جزء بالداخل وتحويل جزء الى الخارج أو عبر إرسالها في شكل سلع للمساهمة في زيادة الصادرات للخارج، وتخوف من خطورة ارتفاع معدلات العمالة الأجنبية وارتفاع نسبة التحويلات الخارجية حال عدم وضع ضوابط لها خاصة في جانب الدولار الذي يشهد زيادة في قيمته مقارنة بالفترة الماضية بعد أن استقر مرتفعاً لأكثر من أربعه أشهر.
آثار سالبة
ويقول الباحث الاقتصادي عبد المحمود محمد عبد الرحمن في دراسة منشورة، إن الآثار السالبة للعمالة الأجنبية تشمل: إمكانية مزاحمة المواطن من خلال شغل فرص عمل كان من الممكن إتاحتها للعامل السوداني، ومن ثم تزايد معدلات البطالة في أوساط العمالة الوطنية؛ تحويلات العمالة الأجنبية والتي تشكل نزيفاً لموارد ادّخارية كان من الممكن استغلالها محلياً وتوجيهها نحو الاستثمار؛ الاختلالات في ميزاني الحساب الجاري والمدفوعات؛ الغلاء وتراكض التضخم؛ والضغط على الخدمات التي توفرها الدولة بما يثقل كاهل الميزانية الحكومية ويرفع من العجز فيها ويؤدي إلى تراكم الدين العام.
تقليص التسرب
ويشير عبد الحمود إلى أن تحويلات العمالة الأجنبية لخارج الاقتصاد المحلي تمثل الأثر السالب الأكثر نصوعاً؛ حيث تُعد تسرباً يُخصم من تيار الدخل والإنفاق المتحقق في الاقتصاد؛ ويجب العمل على تقليصه بقدر الإمكان. فهذه العمالة تعمل وتنتج ومن ثم تحصل على دخل مقابل إنتاجها ذاك، تستهلك الجزء الأكبر منه محلياً وتدخر ما يتبقى حيث تقوم بتحويل جزء منه ـ أو كله ـ لخارج البلاد (على الأرجح لأوطانها) لتلبية متطلبات أسرها أو لاستثماره في أوعية تحقق لها عائداً مجزياً وربحية. وعلى كل حال لا تتوافر إحصائيات دقيقة عن حجم تحويلات العمالة الأجنبية في السودان، كما أن موقع بنك السودان على شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) لا يعطي البيانات بالتفصيل المطلوب ـ حوالي 918 مليون دولار كتحويلات خاصة عام 2006م ارتفعت إلى 968 مليوناً في الأشهر التسعة الأولى من العام 2007م، وفي حكم المؤكد أن تتجاوز عتبة المليارين دولار بنهاية ذلك العام الحالي؛ زد على ذلك أن كثيراً من هذه التحويلات تتم عبر طرق وآليات غير نظامية مثل نظام “الحوالة” السري الشائع الاستخدام في دول الخليج والبلدان الأخرى المستقطبة للعمالة الأجنبية، وكثير من العمالة الأجنبية يحمل معه أمواله المُدخَرة حين المغادرة دون الإعلان عنها؛ حيث لا يلزمه القانون بذلك. ومن المحتم أن تكون التحويلات التي تتم عبر هذه القنوات غير الرسمية ضخمة بكل المقاييس. وتنعكس هذه التحويلات سلباً على ميزان الحساب الجاري وتؤدي إلى تفاقم العجز فيه. كما تؤثر سلباً على الاستثمار من خلال تقليص المواعين الادخارية المتاحة له ومن ثم تخفض من مستوى الناتج والدخل الكامنين في الاقتصاد السوداني. ويتحكم في حجم التحويلات جملة محددات منها مؤشرات الأداء الكلي الحقيقية للاقتصاد والمتمثلة بمستويات الناتج والتوظف ومعدلات نموهما، وموازين الاقتصاد الداخلية والخارجية (ميزانية القطاع الخاص [فجوة الادخار] /الميزانية العامة/ ميزان المدفوعات بمكوناته المختلفة)، حيث يشار لتلك العوامل بالأساسيات Fundamentals؛ ثم فوارق العوائد (الفائدة) والتضخم بين البلد المُصدِر للعمالة وذلك المستقبل لها (السودان)؛ ثم تصاعد أو تراجع أسعار الصرف البينية (سعر صرف الجنيه، وسعر صرف الدولار [عملة التحويل]، وسعر صرف عملة البلد المُرسِل للعمالة)؛ إضافة إلى جملة متغيرات أخرى تختص بالمخاطر الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية والأمنية. وتؤثر هذا المحددات إما إيجاباً أو سلباً على مستوى التحويلات. فزخم النشاط الاقتصادي المتولد في الاقتصاد وارتفاع معدلات نمو الناتج والتوظف يحققان مستويات أعلى من الأجور والدخول لكافة الفئات بما فيها العمالة الأجنبية ويؤثر موجباً بالتالي على مستوى تحويلاتها، كما يرفع أيضاً من الطلب على العمالة بشقيها الوطني والأجنبي فترتفع أعدادها ومن ثم حجم تحويلاتها. ويلعب فارق العوائد (الفائدة) بين الدول المُصدِرة للعمالة والسودان دوراً موجباً كذلك في حث التحويلات بحيث يتسارع نزوح الأموال ويرتفع حجم التحويلات إذا اتسع الفارق لمصلحة الدول المُصدِرة، وتتباطأ وتتدنى فيما إذا انخفض الفارق أو تغير لمصلحة السودان؛ هذا مع التأمين بمحدودية أثر هذا العامل في حالة السودان بحكم أن الغالبية العظمى من العمالة الأجنبية فيه هي من أصحاب الدخول المحدودة وبالتالي فإن المدخرات التي تتبقى لها من بعد خصم مستلزمات الاستهلاك تعد منخفضة وقد لا تستجيب كثيراً لحافز العائد، كما تلتزم هذه العمالة عادة بتأمين احتياجات أساسية وحدود دنيا من المعيشة لأسرها عبر التحويل ولا تهمها اعتبارات الاستثمار ومقارنة العوائد في قليل أو كثير كما قد تجهل أهمية الأمر برمته ـ فذلك اعتبار قد ينطبق على الفئات الأخرى من أصحاب الدخول الأكثر ارتفاعاً (الإداريين/ الفنيين/ المهنيين/ رجال الأعمال). كذلك فإن فارق التضخم بين السودان والدول المُرسِلة للعمالة يلعب دوراً سالباً بحيث تشتد وتيرة التحويلات ويرتفع مستواها إثر تراكض التضخم في الاقتصاد السوداني (بمثلما يحدث حالياً) مع استقراره في الدول المُصدِرة للعمالة. وتشمل جملة محددات المخاطر المؤثرة على مستوى ومعدل التحويلات متغيرات شتى منها درجة الاستقرار السياسي، وسيادة حكم القانون، والتوترات الدينية والعرقية والطائفية، والصراع الداخلي والخارجي، ونوعية البيروقراطية، وانعدام الشفافية والمحاسبة، وتفشي الفساد والمحسوبية، وتدخل العسكريين في السياسة، وغيرها. وكلما ارتفعت المخاطر الممثلة بهذه العوامل كلما تسارع نزوح الأموال والتحويلات من الاقتصاد المحلي.
حساب الدخل
ويقول الباحث إن النظرة إلى جانب التحويلات تقتصر على ما يسمى بــ”حساب الدخل” في الاقتصاد؛ حيث يتم الحديث ـ وبقصدٍ أحياناً ـ على ما يكسبه العامل الأجنبي من دخل وما يقوم بتحويله لخارج الاقتصاد، ويُركز عليه كتسرب واستنزاف متواصل لموارد البلاد المالية، في حين يتم التغافل عن “حساب الناتج” و”حساب الإنفاق” وهو ما أسهم به العامل الأجنبي من إنتاج وما ولّده من دخل وما أنفقه من ذلك الدخل في الاقتصاد المحلي. ومن المحتم أن تتجاوز قيمة إنتاجه ما يحصل عليه من دخل (أجر وراتب) وكذلك ما يتبقى لديه من مدخرات ـ بعد خصم استهلاكه ـ ليقوم بتحويلها لبلاده. وما ينفقه العامل الأجنبي محلياً يؤدي إلى إنعاش الطلب وبخاصة على مكونات بعينها مثل الغذاء والسكن والمواصلات والاتصالات، وبما يستحث بالتالي بالمزيد من إنتاجها ـ انظر إلى فورة التشييد والبناء والمطاعم والفنادق والاتصالات… الخ، المعايشة حالياً في السودان. وليس هنالك مجال لمنع التحويلات أو تحجيمها في ظل معطيات اقتصاديات اليوم؛ حيث تتسبب المحاولة في إحداث جملة تشوهات اقتصادية وتُعد فشلاً للسوق المالي. غير أنه تتوفر منظومة سياسات وآليات يمكن استخدامها لتخفيض حجم هذه الأموال المتسربة واستبقاء جزء منها بالاقتصاد المحلي وتدويره.
وتوضح الدراسة أن هنالك احتمالاً وارداً لارتفاع الأسعار والتضخم بسبب العمالة الأجنبية، وبخاصة في مكونات بعينها مثل الغذاء والإيجارات. غير أن مصادر الارتفاع الأساسية لتضخم السودان لا يمكن أن تُعزى للأجانب؛ وعودة التضخم للتسارع مؤخراً هي بسبب سياسات وعوامل طلب مُحَفِزة واختناقات عرض مُحَبِطة. وتتمثل زيادات الطلب بزيادة كل من الإنفاق الحكومي والاستهلاكي والاستثماري (المحلي والأجنبي)، وعودة مستويات السيولة في الاقتصاد السوداني للارتفاع بوتائر مزعجة تُجارِي ما حدث منتصف التسعينات الميلادية وتسبب في جموح التضخم وانهيار سعر صرف العملة المحلية حينذاك (قفزت كمية النقود بتعريفها العريض خلال سنة واحدة بمعدل مذهل يبلغ 45% بين عامي 2004م و2005م ثم واصلت ارتفاعها بمعدل كبير آخر يبلغ 30% لتصل إلى 17.9 مليار جنيه سوداني [17.9 تريليون “بالقديم”] عام 2006م، ونما مكّون العملة [طباعة النقود] بمعدلي 27% و42% خلال هاتين السنتين على الترتيب وذلك حسب بيانات بنك السودان المنشورة في موقعه)؛ حيث يبدو أن السلطات قد عاودت ممارسة سياستها المفضلة بمباغتة المواطن بإلهاب نير التضخم وجبي “ضريبته” من خلال ضخ هذه الكميات المهولة من السيولة في شرايين الاقتصاد. كذلك يتسبب في التضخم وجود اختناقات حالية على جانب العرض والإنتاج تتمثل بارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام ومواد البناء (الأسمنت/ الحديد/..) وارتفاع أسعار السلع المستوردة وعلى رأسها الغذاء (الحبوب) عالمياً. والعمالة الأجنبية دورها محايد في ذلك الإطار، نعم، تسبب المزيد من الطلب المحدود لكنها تزيل الاختناقات على صعيد جانب العرض وتزيد الإنتاج الذي يعمل على امتصاص الطلب المتزايد.
العمالة الأجنبية بالبلاد الحاصلة على إقامات بغرض العمل تقدر بـ 33.822 أجنبي منها 1736 عمالة منزلية و32.086 منها كوادر فنية وتقدر العمالة غير القانونية بغرض العمل بـ(3) مليون شخص.
* فارق التضخم بين السودان والدول المُرسِلة للعمالة يلعب دوراً سالباً بحيث تشتد وتيرة التحويلات ويرتفع مستواها إثر تراكض التضخم في الاقتصاد.
* “حساب الدخل” في الاقتصاد؛ يعتمد على ما يكسبه العامل الأجنبي من دخل وما يقوم بتحويله لخارج الاقتصاد، ويُركز عليه كتسرب واستنزاف متواصل لموارد البلاد المالية.
* إن عائدات النفط السوداني مع انخفاض الأسعار تغطي بالكاد تكاليف الإنتاج وحقوق المنتجين الأجانب”.
تحقيق: إقبال العدني
مبالغ كبيرة يفقدها الاقتصاد سنوياً من تزايد وخروج المليارات من موارد النقد الأجنبي. فحركة التحويلات الخارجية المتزايدة بسبب التوافد الكبير للشركات الاستثمارية والاستعانة بالآلاف من العمالة الأجنبية؛ أدت إلى فقدان البلاد لموارد ضخمة من النقد الأجنبي تعادل 80% من دخل البلاد، فخرجت مليارات الدولارات عبر المصارف التجارية للخارج عبر تحويلات مستحقة للأفراد والشركات العاملة، بالإضافة الى استقدام الشركات لعمالة بهدف تسيير العمل، مما أفقد الفرصة للعامل السوداني أن يتحصل على عمل يجني من ورائه مورد رزق يعينه على مصاعب الحياة، وأصبح التنافس كبيراً بين الشركات والمؤسسات الاستثمارية لاستقدام عمالة من الخارج، فدخل الآلاف من العمالة لسوق العمل في قطاع البترول والبنوك والتشييد والبناء وغيرها من المجالات، بينما تدب حركة نشطة تشهدها قطاعات المطاعم والفندقة؛ استحوذت على نسبة هائلة من العمالة الأجنبية الوافدة، وأصبحت المطاعم البلدية والشعبية هي المكان الآمن للعامل السوداني. التحويلات النقدية للخارج من قبل الأجانب؛ أدت الى ضعف العملة الوطنية وشح النقد الأجنبي، ولأهمية أثر التحويلات النقدية وأثرها على اقتصاد البلاد، استطلعت (التغيير) خبراء مصرفيين ومختصين لمعرفة الآثار الناجمة، وخرجت بالحصيلة التالية.
3.33 مليون حجم العمالة
وتشير تقارير وزارة الداخلية إلى أن العمالة الأجنبية بالبلاد الحاصلة على إقامات بغرض العمل تقدر بـ33.822 أجنبي منها 1736 عمالة منزلية و32.086 منها كوادر فنية تعمل في المشاريع الإستراتيجية وتقدر العمالة غير الحاصلة على الإقامات القانونية بغرض العمل بـ(3) مليون شخص، وذلك حسب الإدارة العامة للجوازات والهجرة وتعمل في الأعمال الهامشية (أعمال منزلية) وتمثل دولة أثيوبيا الثقل في هذا المجال إضافة إلى دولتي اريتريا وجنوب السودان، هذا فضلاً عن وجود عدد 103 طبيب امتياز من جنسيات مختلفة لإكمال الفترة التدريبية يعملون في المستشفيات العامة في الدول الصديقة والشقيقة ووضعهم مقنن من حيث الإقامات وتجديدها كما يوجد عدد (247) طبيباً وكادراً طبياً من جنسيات مختلفة يعملون بالمستشفيات الخاصة.
دور سالب
ويقول الباحث الاقتصادي عبد المحمود محمد عبد الرحمن، يلعب فارق العوائد (الفائدة) بين الدول المُصدِرة للعمالة والسودان دوراً موجباً كذلك في حث التحويلات بحيث يتسارع نزوح الأموال ويرتفع حجم التحويلات إذا اتسع الفارق لمصلحة الدول المُصدِرة، وتتباطأ وتتدنى فيما إذا انخفض الفارق أو تغير لمصلحة السودان؛ هذا مع التأمين بمحدودية أثر هذا العامل في حالة السودان بحكم أن الغالبية العظمى من العمالة الأجنبية فيه هي من أصحاب الدخول المحدودة، وبالتالي فإن المدخرات التي تتبقى لها من بعد خصم مستلزمات الاستهلاك تعد منخفضة وقد لا تستجيب كثيراً لحافز العائد، كما تلتزم هذه العمالة عادة بتأمين احتياجات أساسية وحدود دنيا من المعيشة لأسرها عبر التحويل ولا تهمها اعتبارات الاستثمار ومقارنة العوائد في قليل أو كثير كما قد تجهل أهمية الأمر برمته، فذلك اعتبار قد ينطبق على الفئات الأخرى من أصحاب الدخول الأكثر ارتفاعاً (الإداريين/ الفنيين/ المهنيين/ رجال الأعمال). كذلك فإن فارق التضخم بين السودان والدول المُرسِلة للعمالة يلعب دوراً سالباً بحيث تشتد وتيرة التحويلات ويرتفع مستواها إثر تراكض التضخم في الاقتصاد السوداني (بمثلما يحدث حالياً) مع استقراره في الدول المُصدِرة للعمالة. وتشمل جملة محددات المخاطر المؤثرة على مستوى ومعدل التحويلات متغيرات شتى منها درجة الاستقرار السياسي، وسيادة حكم القانون، والتوترات الدينية والعرقية والطائفية، والصراع الداخلي والخارجي، ونوعية البيروقراطية، وانعدام الشفافية والمحاسبة، وتفشي الفساد والمحسوبية، وتدخل العسكريين في السياسة، وغيرها. وكلما ارتفعت المخاطر الممثلة بهذه العوامل كلما تسارع نزوح الأموال والتحويلات من الاقتصاد المحلي.
حساب الدخل
ويقول الباحث إن النظرة إلى جانب التحويلات تقتصر على ما يسمى بــ”حساب الدخل” في الاقتصاد؛ حيث يتم الحديث ـ وبقصدٍ أحياناً ـ على ما يكسبه العامل الأجنبي من دخل وما يقوم بتحويله لخارج الاقتصاد، ويُركز عليه كتسرب واستنزاف متواصل لموارد البلاد المالية، في حين يتم التغافل عن “حساب الناتج” و”حساب الإنفاق” وهو ما أسهم به العامل الأجنبي من إنتاج وما ولّده من دخل وما أنفقه من ذلك الدخل في الاقتصاد المحلي. ومن المحتم أن تتجاوز قيمة إنتاجه ما يحصل عليه من دخل (أجر وراتب) وكذلك ما يتبقى لديه من مدخرات ـ بعد خصم استهلاكه ـ ليقوم بتحويلها لبلاده. وما ينفقه العامل الأجنبي محلياً يؤدي إلى إنعاش الطلب وبخاصة على مكونات بعينها مثل الغذاء والسكن والمواصلات والاتصالات، وبما يستحث بالتالي بالمزيد من إنتاجها ـ انظر إلى فورة التشييد والبناء والمطاعم والفنادق والاتصالات… الخ، المعايشة حالياً في السودان. وليس هنالك مجال لمنع التحويلات أو تحجيمها في ظل معطيات اقتصاديات اليوم؛ حيث تتسبب المحاولة في إحداث جملة تشوهات اقتصادية وتُعد فشلاً للسوق المالي. غير أنه تتوفر منظومة سياسات وآليات يمكن استخدامها لتخفيض حجم هذه الأموال المتسربة واستبقاء جزء منها بالاقتصاد المحلي وتدويره.
وتوضح الدراسة أن هنالك احتمالاً وارداً لارتفاع الأسعار والتضخم بسبب العمالة الأجنبية، وبخاصة في مكونات بعينها مثل الغذاء والإيجارات. غير أن مصادر الارتفاع الأساسية لتضخم السودان لا يمكن أن تُعزى للأجانب؛ وعودة التضخم للتسارع مؤخراً هي بسبب سياسات وعوامل طلب مُحَفِزة واختناقات عرض مُحَبِطة. وتتمثل زيادات الطلب بزيادة كل من الإنفاق الحكومي والاستهلاكي والاستثماري (المحلي والأجنبي)، وعودة مستويات السيولة في الاقتصاد السوداني للارتفاع بوتائر مزعجة تُجارِي ما حدث منتصف التسعينات الميلادية وتسبب في جموح التضخم وانهيار سعر صرف العملة المحلية حينذاك (قفزت كمية النقود بتعريفها العريض خلال سنة واحدة بمعدل مذهل يبلغ 45% بين عامي 2004م و2005م ثم واصلت ارتفاعها بمعدل كبير آخر يبلغ 30% لتصل إلى 17.9 مليار جنيه سوداني [17.9 تريليون “بالقديم”] عام 2006م، ونما مكّون العملة [طباعة النقود] بمعدلي 27% و42% خلال هاتين السنتين على الترتيب وذلك حسب بيانات بنك السودان المنشورة في موقعه)؛ حيث يبدو أن السلطات قد عاودت ممارسة سياستها المفضلة بمباغتة المواطن بإلهاب نير التضخم وجبي “ضريبته” من خلال ضخ هذه الكميات المهولة من السيولة في شرايين الاقتصاد. كذلك يتسبب في التضخم وجود اختناقات حالية على جانب العرض والإنتاج تتمثل بارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام ومواد البناء (الأسمنت/ الحديد/..) وارتفاع أسعار السلع المستوردة وعلى رأسها الغذاء (الحبوب) عالمياً. والعمالة الأجنبية دورها محايد في ذلك الإطار، نعم، تسبب المزيد من الطلب المحدود لكنها تزيل الاختناقات على صعيد جانب العرض وتزيد الإنتاج الذي يعمل على امتصاص الطلب المتزايد.
مثالب الاستثمار
في عالم العولمة الاقتصادية يعتبر الاستثمار الأجنبي ضرورة ملحة ليس للبلدان النامية التي تعاني من نقص الأموال فحسب وإنما حتى للبلدان المتقدمة الاقتصادية. زادت الأزمة المالية العالمية من ضروريات البحث عن أي مصادر للتمويل لتوفير المزيد من السيولة التي اصبحت بمثابة نقل الدم للحالات المرضية الحرجة. ومع احتياج الاستثمار الأجنبي للمناخ المناسب له اشتدت المنافسة على استقطابه من خلال إزالة الحواجز والعقبات من أمامه ومنحه الحوافز والضمانات التي تسهل نشاطه واستخدام التمويل الأجنبي بشكل فعال ونقل التكنولوجيا وتدريب العمالة مما يسهم في رفع مستويات الدخل وترقية المستوى المعيشي. في عالم اليوم يعتبر الاستثمار الأجنبي مهماً في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتحقيق معدلات جيدة من النمو الحقيقي ولكن كل ذلك لن يتم دون تهيئة البيئة الملائمة وإجراء إصلاح اقتصادي شامل.
ويكشف أستاذ الاقتصاد؛ الدكتور حسن بشير محمد نور وجه آخر للاستثمار الأجنبي يعتقد أنه يؤثر بشكل مباشر على حصائل النقد الأجنبي بالبلاد، ويقول هناك وجه آخر لا يقل أهمية وهو الوجه السالب للاستثمار الأجنبي الذي يجب التحسب له لتعظيم المكاسب وتقليل العيوب قدر الإمكان وصيانة المصالح الإستراتيجية العليا للاقتصاد الوطني والحفاظ على كرامة الإنسان في وطنه وإكسابه المزيد من الحقوق الناتجة عن الاستثمار الأجنبي. من أهم العيوب المصاحبة للاستثمار الأجنبي تمتع الشركات العابرة للقارات والأجنبية الكبرى بقدرات مالية وتنظيمية عالية لا تتوفر للشركات الوطنية وبذلك تستطيع فرض توجهاتها الإنتاجية والتشغيلية والتسويقة وفرض شروطها التي تهدف لتحقيق أكبر قدر من الأرباح بشكل يعلو فوق أي هدف آخر. وستكون لتلك السيطرة مخاطر كبيرة على المستويين الاقتصادي والسياسي. العيب الثاني هو أن المستثمرين الأجانب غالباً ما يتعاملون مع الموارد بشكل غير رشيد مما يؤدي الى إهلاك الموارد الطبيعية والأصول البيئية واستنزافها، وتحويل مزاياها الى الدولة الأم مما يفقر الدولة المضيفة على المستوى البعيد. الجانب الثالث هو كبر حجم الأموال المحولة الى الخارج كأرباح مما يؤثر سلباً على ميزان المدفوعات “انظروا لمقولة أن عائدات النفط السوداني مع انخفاض الأسعار تغطي بالكاد تكاليف الإنتاج وحقوق المنتجين الأجانب”. هنالك مشكلة أخرى وهي تركيز المستثمر الأجنبي على قطاعات بعينها (عندنا هي البترول، الاتصالات، والتشييد والبنوك). دون مراعات إستراتيجيات وخطط التنمية للبلد المضيف. ويقول د. بشير في مقال له تثبت الدراسات أن حصة كبيرة من الاستثمار الأجنبي تتركز في قطاعات الصناعات التحويلية والاستخراجية خاصة النفط والغاز بنسبة تصل الى حوالي 40% من جملة الاستثمارات والخدمات بحوالي 25% وحوالي 27% في الصناعات التحويلية.
ويضيف بالقول: تبقى حقيقة واحدة ودامغة بشكل يستحق التركيز وتتمثل في أن ميزان المدفوعات ومعدلات التبادل تميل الى الارتفاع في المراحل الأولى للاستثمار (في الدول النامية) ولكنها سرعان ما تميل نحو التدهور بعد تحويل الأرباح الى الخارج خاصة مع انخفاض أسعار المواد الخام وارتفاع معدلات التضخم العالمية. وبالتالي يجب إعمال الحساب للربح والخسارة في جميع ما يلي الاستثمار الأجنبي من مزايا وعيوب.
شروط حكومية
ومع أن الضوابط والتوجيهات التي يصدرها البنك المركزي في هذا الخصوص والتي تشمل إجراءات يسمح فيها بالنسبة للشركات التي يسهم فيها أجانب وتعمل في مجال الاستيراد والتصدير فإن تسجيل رأس المال المستجلب كمساهمة للشريك الأجنبي لا يتطلب بيعه للبنك التجاري وإنما يتطلب ذلك إبراز إشعار تحويل المبلغ وإفادة من المصرف التجاري بالحساب، كما سمح المركزي بإعادة تحويل رأس المال المدفوع بالنقد الأجنبي وفق إجراءات محددة على أن يكون الاستثمار نفذ بموافقة بنك السودان والجهات الأخرى ذات العلاقة بحيث يملأ المستثمر استمارة حصر الاستثمارات بالنقد الأجنبي بوزارة الاستثمار وأن يكون استلام المبالغ المستثمرة تم بشكل مقبول لدى بنك السودان، على أن تتضمن الإجراءات السماح بإعادة تحويل الأرباح المستحقة على رأس المال المدفوع بالنقد الأجنبي المستثمر في السودان؛ شريطة أن يكون قد تم تسجيل المساهمة لدى إدارة النقد الأجنبي ببنك السودان
صحيفة التغيير السودانية