بالنسبة لملايين الأشخاص، يُشكل موقع «فيس بوك» جزءاً أساسياً من استخدامهم للإنترنت، ويستحوذ على نصيب متفاوت من الاهتمام والوقت، لكن بالنسبة لآخرين تُمثل الشبكة الاجتماعية كياناً مستقلاً عن الإنترنت، وهو وضع ملتبس أسهمت فيه عوامل عدة، ويُثير تساؤلات حول الآثار المُحتملة على مستقبل الإنترنت الذي نعرفه.
وقبل ثلاث سنوات، لاحظت الباحثة والرئيسة التنفيذية الحالية لمؤسسة «ليرني آسيا» LIRNEasia البحثية، هيلاني جالبايا، ظاهرةً غير معتادة في إندونيسيا، إذ أخبرها بعض الأشخاص الذين استطلعت آراءهم أنهم لا يستخدمون الإنترنت، في حين تحدثوا بحماسة عن قضائهم كثيراً من الوقت في استخدام «فيس بوك». وحين أخبرت رئيسها آنذاك، روهان سامارجيف، رد قائلاً: «لا يرد الإنترنت على أذهانهم، وإنما فقط (فيس بوك)».
ولاحظ الباحث في مؤسسة «ريسيرش آي سي تي إفريقيا»، كريستوف ستورك، أمراً مماثلاً، ففي استطلاع حول استخدام الاتصالات، فاق عدد المشاركين الذين استخدموا «فيس بوك» عدد نظرائهم الذين أشاروا إلى استخدامهم للإنترنت. وتعي شركة «فيس بوك» نفسها هذا الالتباس في الفهم، واعترفت الرئيسة التنفيذية للعمليات، شيريل ساندنبرغ، بوجود عدد من مُستخدمي «فيس بوك» لا يعرفون أنهم يستخدمون الإنترنت.
ويدفع ذلك كله للتساؤل حول مدى نجاح مساعي «فيس بوك» لإيصال الإنترنت لملايين الأشخاص في وقت لا يعرف مستخدموه أنهم يستخدمون الإنترنت، وأيضاً حول الوضع في حال جرت صلة ملايين المستخدمين الأوائل بالإنترنت عبر شبكة مغلقة وخاضعة للملكية تُحتم عليهم اتباع قواعد الرئيس التنفيذي لشركة «فيس بوك»، مارك زوكربيرغ، وليس عبر «الويب» المفتوح، بحسب ما تضمن تقرير كتبه ليو ميراني في موقع «كوارتز».
وتتجاوز دلالة ذلك الحديث عن أهمية أو شعبية موقع ما، نظراً لأن لتوقعات وسلوكيات من سينضمون إلى مستخدمي الإنترنت لاحقاً آثاراً عميقة في تطور الإنترنت ككل، ومثلاً ففي حال قضى مستخدمو الإنترنت في العالم أغلب الوقت في «فيس بوك»، فسيدفع ذلك صُناع السياسات والشركات الكبيرة والناشئة والمطورين والمؤسسات غير الهادفة للربح والناشرين، وأي جهة ترغب في التواصل معهم، إلى الموقع ذاته باعتباره ضماناً لوصول الرسالة وفاعليتها، ويعني ذلك أن على كل هؤلاء اتباع قواعد شركة واحدة، وهو أمر تطول تأثيراته الجميع.
وسعياً للتعمق في ملاحظات جالبايا وستورك، كلف موقع «كوارتز» شركة «جيوبول»، التي تُجري استطلاعات للرأي من خلال التواصل مع مشتركين من مختلف أنحاء العالم عبر الرسائل النصية القصيرة، بتنظيم استقصاءين في إندونيسيا ونيجيريا، شمل كلٌ منهما 500 مُشارك، وسُئل المُشاركون في ديسمبر الماضي ما إذا كانوا قد استخدموا الإنترنت خلال الأيام الـ30 السابقة، وكذلك حول استخدامهم «فيس بوك».
وأظهرت النتائج أن 69% من المُشاركين في إندونيسيا قد استخدموا الإنترنت، مقابل نسبة 86% استخدمت «فيس بوك». وفي نيجيريا جاءت النسب 78% و75% لاستخدام الإنترنت و«فيس بوك» على التوالي. وللوهلة الأولى، تبدو النتيجة منطقية تماماً بتفوق استخدام الإنترنت على «فيس بوك».
لكن النظرة المُدققة لتفاصيل النتائج تُبين أن 11% من الإندونيسيين الذين قالوا إنهم استخدموا «فيس بوك» أشاروا إلى عدم استخدامهم للإنترنت، وجاءت نسبتهم في نيجيريا 9%. وهم عموماً من الشباب، إذ تبلغ متوسط أعمار أصحاب هذه الإجابات بين المشاركين من إندونيسيا 25 عاماً، و22 عاماً في نيجيريا.
وبالطبع من الخطأ اعتبار النتائج مُعبرة عن جميع مستخدمي الإنترنت في إندونيسيا ونيجيريا، لكنها دون شك تُقدم دليلاً يدعم ملاحظات جالبايا وستورك، كما أن نسبة أصحاب هذا الرأي في الاستطلاعات، والبالغة تقريباً 10%، تُشير إلى أن بضعة ملايين من بين 1.4 مليار مستخدم لموقع «فيس بوك» يخلط بين الإنترنت والموقع. ومما يُبين الالتباس في فهم المشاركين، الرد على سؤال حول ما إذا كانوا يزورون الروابط التي تقود إلى خارج «فيس بوك»، وقال أكثر من نصف عدد المشاركين الذين لا يعلمون باستخدامهم للإنترنت أنه لم يسبق لهم في أي وقت زيارة هذه الروابط الخارجية، مُقارنة مع ربع المشاركين الذين يستخدمون كلاً من «فيس بوك» والإنترنت. ويتضمن ذلك آثاراً سلبية بإقبال الأشخاص على خدمة واحدة، ما يجذب إليها مقدمي المحتوى والمعلنين، وينتهي بإقصاء الخدمات الأخرى.
كما أجرى «كوارتز» استطلاعاً لآراء أشخاص من خمسة بلدان بالاستعانة بشركة «جانا» وخدمة «سيرفاي منكي» للاستطلاعات على الإنترنت، وتناول مدى الاتفاق مع عبارة «فيس بوك هو الإنترنت»، وجاءت أعلى نسب الموافقة على العبارة في نيجيريا وإندونيسيا والهند والبرازيل والولايات المتحدة على الترتيب. وفي ما يتعلق بالأسباب التي دفعت لرؤية البعض أن «فيس بوك» هو الإنترنت، فيُمكن الإشارة أولاً إلى وعي الشركة بهذا الوضع، وخلال «المنتدى الاقتصادي العالمي» الأخير في مدينة دافوس السويسرية، تحدثت شيريل ساندنبرغ أمام جمع من أثرياء العالم، وقالت إنه في العالم النامي «يدخل أشخاصٌ إلى متاجر الهواتف، ويقولون: (أريد فيس بوك). في بعض المناطق، يخلط الناس في الحقيقة بين (فيس بوك) والإنترنت». وعبر رئيس «فيس بوك» لشؤون التوطين والتدويل، إريس أوريس، عن ذلك بقوله: «المعرفة بالإنترنت محدودة جداً في الدول النامية. في الحقيقة، بالنسبة لكثير من المستخدمين، فإن (فيس بوك) هو الإنترنت، نظراً لأنه في كثيرٍ من الأحيان يكون التطبيق الوحيد المُتاح».
وعملت «فيس بوك» لضمان الوصول السهل والرخيص إلى تطبيقها. كما تدعم الشركة مبادرة «إنترنت دوت أورغ» Internet.org التي تهدف لتوفير الإنترنت لثُلثي سكان العالم الذين يفتقرون حالياً إلى الاتصال بالإنترنت، وأشار تقرير «كوارتز» إلى عدم استجابة «فيس بوك» لطلب بالتعليق.
ويُتيح تطبيق «إنترنت دوت أورغ»، الذي يتوافر في ما يقرب من ستة بلدان، الاستخدام المجاني لكلٍ من «فيس بوك» و«فيس بوك ماسنجر»، وعدد من المواقع الأخرى تختلف بحسب الدولة، وشملت مثلاً في زامبيا معلومات حول حقوق المرأة، والوظائف، والطقس، وصحة الأمهات، وأسئلة شائعة حول فيروس «إيبولا».
وفي الواقع، تُسهِم شركات الاتصالات في الدول النامية بنصيب في هذا الالتباس، إذ إنها تلمس إقبال مستخدمي «الويب» عبر الهواتف المحمولة على «فيس بوك» وتطبيق «واتس أب» الذي تمتلكه «فيس بوك» أيضاً، وبالتالي تُوفر للمستهلكين خطط بيانات تُتيح الوصول للشبكات والتطبيقات الاجتماعية فقط.
وعلى سبيل المثال، يتوافر للمستخدمين في الهند خطة بيانات تُتيح الوصول لموقع «فيس بوك» فقط مُقابل 2.5 دولار سنوياً، في حين يبلغ سعر أرخص خطط البيانات الشاملة التي تُوفر مختلف المواقع نحو 10 دولارات سنوياً. وفي الفلبين، تُكلف خطط البيانات المقتصرة على «فيس بوك» خُمس سعر خطط البيانات العادية.
وسبق أن باعت شركة «تيجو» للاتصالات في غانا ما دعته «هاتف فيس بوك»، وكان شبيهاً بهاتف «بلاك بيري»، وتضمن زراً كبيراً في المنتصف يحمل حرف «إف» للدخول إلى «فيس بوك».
ويُضاف إلى ذلك، مبادرة «فيس بوك زيرو» التي أطلقتها الشركة في عام 2010 قبل «إنترنت دوت أورغ»، وتسمح للمستخدمين في عدد من بلدان العالم النامي بالدخول مجاناً إلى «فيس بوك» عبر الهواتف المحمولة. وفي ما يتعلق بالمسؤولين في «فيس بوك»، فيتجاهلون عموماً الإشارة إلى أن مبادرة «إنترنت دوت أورغ» بأكملها قد تكون بهدف تحقيق مصالح الشركة. وقال الرئيس المالي لشركة «فيس بوك»، ديف وينر: «أعتقد أنه على المدى الطويل، سيكون التركيز على المساعدة في ربط كل شخص بالإنترنت فرصة عمل جيدة لنا». وأضاف خلال أحدث إعلان عن أرباح الشركة: «إذا ما صار (فيس بوك) أحد أهم الخدمات في هذه البلاد، فسنُجازى نظير بعض القيمة التي وفرناها».
الإمارات اليوم