تشغل الرأي العام العربي الآن، العديد من القضايا ذات الأبعاد شديدة التأثير على الساحة الإقليمية والدولية. فالمنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط في عمومها تمر بتغييرات جذرية وتؤثر في أوضاع عواصمها الداخلية الكثير من المتغيرات التي تعمل وبقوة على إحداث خلخلة في كثير من الأوضاع القائمة بها. وربما لم تكن ثورات ما اصطلح على تسميتها الربيع العربي هي أحد أوجه هذا التغيير، ولكنها وبغير شك هي أحد أهم مؤشرات هذا التغيير. فحتى تلك الدول التي لم تشتعل بها هذه الثورات، هي بصورة أو بأخرى تتعرض للعديد من الحراك السياسي الذي ينعكس على كل التفاصيل الداخلية بها. ولربما لم يكن السقوط الثاني لبغداد في بداية الألفية على يد التتار الجدد في عهد الرئيس الأمريكي السابق بوش ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير واللذين حملا للعالم «بشارة» انهيار النظام العراقي وقتها، لربما لم يكن هو البداية الفعلية لما أعقب ذلك من تداعيات على المنطقة، ولكنه بغير شك قد كان بداية للكثير من المواقف العربية التي أدت بطريق مباشر أو غير مباشر إلى إحداث العديد من التغييرات الجوهرية في المنطقة.
الآن تعبر المنطقة العربية منعطفًا جديداً، يجدّ المحللون والمراقبون في تحديد ملامحه. وتزدحم الساحة الإعلامية بالكثير من القراءات التي تحاول استكناه القادم، إن لم يكن على وجه الدقة فلا أقل من تحديد ملامحه العامة. ويبدو أن الإعلام المصري الذي دشن ضربات البداية قد تجاوز الحكمة كثيراً وهو يعمد إلى قراءة فاتها الكثير من الذكاء السياسي والإعلامي. فقد باشر إعلام القاهرة حملة عدائية ضد التغييرات السياسية في القصر الملكي السعودي، وذلك في أعقاب تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في الثالث والعشرين من يناير الماضي ولياً للعهد بعد رحيل أخيه الملك عبدالله. حيث مثلت الكثير من التغييرات الداخلية التي أجرتها القيادة السعودية الجديدة بهدف إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل المملكة، مؤشرات قرأتها القاهرة في إطار أنها ستقود إلى سياسات ستختلف كثيراً عما سبق. وبدأ إعلام القاهرة حملة استهدفت الرياض وهو الذي كان حتى قبيل تولي مقاليد الحكم للقيادة الجديدة في الرياض يتماهى معها في رضا كامل. وبلغت اتهامات القاهرة ممثلة في إعلامها جملة من الاتهامات شديدة الخطورة، وذلك في ظرف أسبوع واحد بعد تولي القيادة السعودية الجديدة. كما قرأ كثير من المراقبين تصرفات القيادة المصرية تجاه القيادة السعودية في إطار شعور القاهرة بتغير المزاج في القصر السعودي خلافاً لما كان سائداً على عهد الملك الراحل عبد الله، وخاصة أن هناك تخوفاً مصرياً من تحول قد يحدث في سياسات المملكة تجاه إيران، وأيضاً وبنفس القدر فيما يتعلق بالتعامل مع الإخوان المسلمين، وهو ما يشكل هاجساً كبيراً للقيادة المصرية. كما وأن معارضة الملك سلمان لما كان يجري في أروقة القصر الملكي بخصوص قطر وميوله للأسلوب الناعم في معالجة الإشكال مع القيادة القطرية، كل ذلك جمعته القاهرة في سلة واحدة وطفقت تقرأ وتعيد قراءة الواقع الذي ربما يفرض عليها بعد حين لن يكون بعيداً.
إن المملكة العربية السعودية هي محور مركزي في المنطقة، وتدور حوله الكثير من الأفلاك السياسية العربية والعالمية. وهي تمثل ثقلاً له وزنه الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزه مهما كان. وهي الآن في العهد الجديد تبدو موشكة على إحداث تغييرات داخلية كثيرة ربما تؤدي إلى المزيد من الإصلاح السياسي وإلى المزيد من الحقوق السياسية، فالكثير من القيادات الصاعدة الجديدة لها تاريخ في هذا المجال، وتحظى بوجهات نظر إيجابية من قبل كثير من المؤسسات الدولية. بل أن افتتاح الملك سلمان لولاية عهده بإرضاء الرأي العام الداخلي وذلك عن طريق فتح خزينة الدولة دعماً للعاملين وللقطاعات المختلفة في المجتمع، كفيل بأن يوفر للقيادة الجديدة أرضية صلبة تنطلق منها، ناهيك عن الانفتاح السياسي الذي أشرنا إليه والذي يبدو وشيكاً. وهو ما يبقى داعماً قوياً للمملكة في وجه كثير من التحديات الخارجية المحيطة بها إحاطة السوار بالمعصم، والتي هي جزء من منظومة تحديات تواجه المنطقة ككل.
إن المنطقة العربية تعاني من العديد من الإشكالات التي تداخلت فيها معاملات كثيرة. كما وأنها ظلت تتأثر بما يجري داخلياً في كثير من العواصم الإقليمية، وعليه ربما كانت التغييرات في القصر الملكي السعودي بداية تغيير آ
صحيفة الانتباهة