تحولات كبيرة يشهدها السودان في علاقاته الخارجية، فمن يصدق أن تتحسن العلاقة بين السودان والرئيس اليوغندي “موسفيني” الذي ظل يكن العداء له وظل يدعم الحركات المسلحة الجنوبية قبل توقيع اتفاقية (نيفاشا)!! لقد كان “موسفيني” الداعم الأساسي للحركة الشعبية تحت قيادة الراحل “جون قرنق”.. كانت يوغندا ملاذاً للحركة الشعبية ولمعظم الجنوبيين، بل كان معظم الهجوم المسلح على دولة الجنوب قبل الانفصال، وقبل توقيع اتفاقية السلام بين “جون قرنق” والأستاذ “علي عثمان محمد طه” النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية، كان يتم من هناك.
لقد حاولت الحكومة بشتى الطرق أن تخلق علاقة قوية مع يوغندا وفشلت بسبب تعنت الرئيس “موسفيني” وعلاقته القوية بزميل الدراسة “جون قرنق”، إضافة إلى اتهام “موسفيني” الحكومة بدعمها لجيش الرب المعارض للحكومة اليوغندية، باعتبار كل طرف يحاول استغلال الطرف الآخر بالمعارضين.
في وقت سابق انفرجت العلاقات بين البلدين، وجاء “موسفيني” إلى الخرطوم وقدم محاضرة بقاعة الصداقة شهدها عدد كبير من السياسيين.. ومن المواقف التي لا ننساها خلال تلك المحاضرة، وأثناء تقديم الرئيس “موسفيني” وشرحه في محاضرته فجأة نهض وغادر القاعة ولم تمض دقائق حتى عاد ليواصل محاضرته فاستفسرنا عن خروج الرئيس اليوغنيدي المفاجئ وعودته، فعلمنا أنه طلب الذهاب إلى الحمام لأن درجة البرودة في القاعة كانت عالية جداً، والرؤساء الأفارقة تلقائيون ولا يستحون إن كانوا رؤساء أو غير ذلك فيفعلون ما يريدون بتلقائية شديدة عكس الأخوة العرب، ولا أظن إن كان مقدم المحاضرة رئيساً عربياً سيتصرف كما تصرف الرئيس اليوغندي “موسفيني”.
لقد حدث اختراق في العلاقة بين السودان ويوغندا، وعند زيارة نائب رئيس الجمهورية السيد “حسبو محمد عبد الرحمن” إلى يوغندا ويجد كل هذا الاهتمام من الرئيس اليوغندي “موسفيني” فهذا دلالة على تطور العلاقات بين البلدين، ولم تتوفر لدينا المعلومات الكافية لتحليل ما حدث في تلك العلاقات، لكن السياسة كل أمرها عجب، فهي ليست ثابتة بل متجددة، فأعداء الأمس أصحاب اليوم، وأصدقاء اليوم أعداء الغد، ولا ندري هل ستستمر العلاقات بين السودان ويوغندا في تطور مستمر أم هناك ما سيعكر صفوها؟! وهل سيظل الرئيس “موسفيني” على موقفه من الحركات المسلحة وطردها من بلاده؟ أم هي محاولة لجس النبض في تلك العلاقة وإبداء حسن النوايا؟!
على كل، إذا استمرت العلاقة بين السودان ويوغندا في تطور نحو الأفضل تكون الإنقاذ قد كسبت آخر أعدائها بعد تطور العلاقات مع الرئيس التشادي “إدريس دبي” والرئيس الإريتري “أسياسي أفورقي” والرئيس الإثيوبي، ولم يتبق لها إلا العلاقات الأمريكية إذا نجح مساعد رئيس الجمهورية بروفيسور “غندور” من خلال زيارته لها بالتطبيع، وبذلك تكون الإنقاذ قد أمنت كل علاقاتها الخارجية، وتبقى مسألة علاقاتها مع الأحزاب السياسية بالداخل والحركات المسلحة التي لم تنضم إلى ركب السلام، وربما هذه أسهل.. أما يوغندا فـ”موسفيني” قلب صفحة وفتح صفحة جديدة.
المجهر السياسي