ما كتبته هنا يوم الخميس (أمس الأول) عن توقعاتي لـ(المفاجأة) التي وعدت بها الحكومة ويترقبها الشعب السوداني.. هو محض قراءة تحليلية للمشهد السياسي.. كثيرون اتصلوا بي ذهب ظنهم أنها (معلومات) تسربت من العالمين ببواطن الأمور.. وبالتأكيد مثل هذا الظن يبرهن على أن قراءتي يسندها المنطق..
الأزمة السياسية الآن لا مخرج منها بأية اجراءات أو تغييرات (مظهرية).. الحكومة تلعب الآن تحت الأضواء الكاشفة.. الجميع في الداخل والخارج يراقب ويرى كل التفاصيل.. وانتهى زمن المناورات و(تشتيت الكرة) لكسب الوقت.. ولو حاولت الحكومة أن تبيع للشعب أية وعود بشيكات سياسية (آجلة الدفع) فإن القطار لن ينتظرها.. سيناديها منادي (فاتكم القطار!!)..
انظرواً جيداً في الأوراق التي بيد الحكومة وحزب المؤتمر الوطني الحاكم.. ستكتشفون أنه ليس بالإمكان سوى التقدم إلى الأمام بحزمة (تنازلات) مدروسة.. الهدف الأول منها هو كسر حالة العزلة الشديدة التي تعانيها الحكومة وحزبها.. فمهما تحدى المؤتمر الوطني المعارضة و(عيرها) بضعفها وقلة حيلتها لكنه يدرك أن الخوف اليوم ما عاد من المعارضة سلمية كانت أو مسلحة..
عين الحكومة باتت ترقب بكل حذر أخلص الخلصاء من أهل البيت.. فالمحاولة الانقلابية التي أحبطت في العام ٢٠١٢ لم تدبرها الجبهة الثورية.. بل الصفوة (من بيت الكلاوي) التي ظلت تحرس الإنقاذ منذ كانت نطفة.. ووجه الاتهام فيها لرجال من بينهم أرفع شخصية (سابقاً) في أرفع مؤسسة تحمي الحكومة..
(من مكمنه يؤتى الحذر) هي الحكمة التي باتت الحكومة تتحسب لها.. والتغييرات الأخيرة التي خلعت الحرس القديم لم تقرب الحكومة من المعارضة بينما زادت من شقة المسافة بينها والبنية التحتية الفكرية التي ظلت تعول عليها طوال ربع قرن من الانفراد بالحكم..
العزلة التي يعانيها حزب المؤتمر الوطني وحكومته لم تكن في يوم من الأيام طوال سنوات الإنقاذ بمثل هذا الاختناق.. والضراوة.. وليس أمام الحكومة وحزبها إلا البحث عن (خارطة طريق) تتجنب المرور بحافة الهاوية.
وحيث لا خيارات.. فليس أمام المؤتمر الوطني والحكومة إلا (صعق) الشعب السوداني بمفاجآت تمنح المباراة عمراً إضافياً.
لا أحد يعلم على وجه اليقين ما ستنطق به الحكومة خلال الساعات القليلة وربما الأيام القادمة لكن بالتأكيد الذي يعلمه جميع الناس والحكومة قبلهم أن الحد الأدنى مطلوب من (الصدمة) لم يعد مجرد وعود بتغيير السياسات.. فما أسهل الانقلاب على السياسات.. فالحكومة التي لم تأبه حتى لما نص عليه دستورها الذي ولدته من صلبها.. لن يكلفها كثيراً الاستدارة خلف وعودها مهما أجزلت فيها من التأكيدات..
الأسهل للحكومة (حسب تحليلي) هو ما ورد في عمود حديث المدينة يوم الخميس.. حل البرلمان.. وتعليق الدستور.. وتشكيل لجنة قومية لإعداد الدستور الجديد وقانون الانتخابات.. لجنة محكومة بأجل قصير محدد (ربما في حدود الستين يوماً).. تفضي الى تشكيل (سفينة نوح) كما وصفها السيد الصادق مهدي.. فيها من كل زوجين اثنان.. تقود المرحلة التالية حتى الانتخابات في موعدها الجديد عام (٢٠١٧)..
حينها ستقول الإنقاذ للشعب: (ربيعنا العربي.. بيدنا لا بيد عمرو)..
حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]