زينب بت بابكر

[ALIGN=CENTER] حكاوي عن الشخوص والأمكنة
زينب بت بابكر
[/ALIGN]
بعد أن توفيت زوجته وأصبح وحيداً قرر ان يترك ديار الأباء والأجداد منطقة البسابير جنوب شندي ويهاجر سائحاً في سبيل الله لحفظ القران وتحفيظه يحمل زاده ومعه إبنتيه اللتين خرج بهما من الدنيا، تجول في أصقاع البلاد عرضاً وطولاً الى أن استقر به المقام بقرية البرسي ناحية سنار، نزل ضيفاً كريماً على عمدة القرية العمدة الفضل محمد حسن الذي أكرم وفادته وأفرد له حيزاً من بيته ليستقر مطمئناً لآخر محطة من محطات ترحاله، وسار به الحال والصبيتين تكبران وتزدادان جمالاً وطولاً لكن الوالد إستيقظ ذات صباح مقبوض القلب خائفاً فقد رأى فيما يرى النائم ان أجله قد إقترب وانه سيُدفن في أرض أبائه فشد الرحال نحو البسابير بعد أن ترك وصية للعمدة يأتمنه فيها على إبنتيه لطول الرحلة ومشقتها وإقتراب أجله ولما رآه من كرم وتقوى وحسن خُلق في جوار العمدة الفضل، ( يا ولدي خليت معاك بناتي أمانة في رقبتك أسألك منها يوم القيامة، أنا أجلي قرب وماشي أندفن مع أبواتي، دحين يا ولدي بناتي ديل ما تديهن لي راجلاً سفيه وما كفو وما بصلي وما بعرف قيمتن ولا أصلن وقالوا يا ولدي الما بعرفك بودرك). أخذ العمدة الفضل الوصية على محمل الجد وطلب البنتين الكبرى زينب له والصغرى أمنة لأخيه علي الذي مكثت معه زمناً لكنها لم تنجب منه فتزوجت من أحد رجالات سنجة الذي إنتقل بها الى تلك الناحية ومكثت معه حتى ماتت، أما زينب فقد أنجبت من العمدة خمس من البنين ومثلهم من البنات، جدتي الكبرى زينب بت بابكر ود إمام البسبراوي، كانت طويلة في غير إفراط فاتحة اللون أقرب للبياض ممتلئة الجسم في توازن أشمة الأنف بلا غرور ولا كبرياء زادتها شلوخ وجهها جمالاً على جمالها الواضح الطبيعي الفطري بلا أصباغ ولا أدوات تجميل صناعي، إكتسبت كرماً وحسن ضيافة جعل بيتها مركزاً للضيافة وتحولت لديها الخلاوي بعد أن كانت في بيت ىخر من بيوت نسائه الأُخريات جاءت زينب بت بابكر في عدد من النساء لكنها إستأثرت بمحبة العمدة وإعجاببه لكرمها وحُسن معشرها وخدمتها له ولضيوفه فقد كانت تقوم على ضيوف الهجعة وأهل الخلاوي، حتى خيل الضيوف كانت تعطيها العلوق من القمح.
ضيفان من عشية وضيفان هوية ليل
يا قسم الله تب جيب علوق للخيل
بيوت الحور أو القطاطي المبنية بالطوب من أسفل وحولها الصريف كانت هي طراز البناء في ذلك الزمان وبمسافة بعيدة نوعاً ما تبنى الدواوين الكبيرة والخلاوى لإستقبال الضيوف وحفظة القراءن وعابري السبيل وتظل مفتوحة على الدوام لاتغلق في وجه أحد، تكرم جدتي وفادة القادمين وتذبح لهم الذبائح حتى وإن كان جدي العمدة غائباً عن الديار يقضي حوائج الناس، تزور الأهل والجيران وتتفقد أحوالهم ورغم أنها غريبة عنهم الا أنها استطاعت ان تستأثر بحبهم بتواضعها وطيب معشرها (كيف أصبحتن يا بنات أمي عساكن طيبات وسالمات) وترد عليها التومة بت ابراهيم من داخل راكوبتها(تسلمي من كل شر، تطيب حالك ويزيد مقدارك ابقي عاد لاجوة)، ( ماعندي قعاد يا التومة الطحين في المرحاكة بدور أسوي الأكل أها ودعتكم الله)، تُعطي سراً دون ان يعرف أحد وتقول هذه بيني وبين الله، كانت في كثير من الأحيان تناجي نفسها وتذكر أهلها وموطنها بالشمال فتتساقط دموعها التي تحاول إخفائها عن زوجها حتى لاتزعجه لكنه يشعر بها ويحدثها مواسياً بحديث هادئ ( بدوري تمشي لي أهلك يابت بابكر) فتصمت حتى لاتخنقها العبرة وترد عليه( البلد بعيد والأهل راحو لكن القلب بحن والكبدة بترجف والعين بتجري أعفى مني يا أبوحسن) وحسن هذا إبنها البكر، كانت إمرأة مهابة قوية الشخصية لكنها طيبة القلب لاتضمر شراً لأحد وهذا جعلها تربي أبناءها على الكرم والشجاعة وحب الخير.
زينب بت بابكر القادمة من أرض البسابير جاءت تحمل معها محنة الأهل وحب الأرض التي كلما أعطيتها أعطتك خيراً وبركة ورغم انها زوجة العمدة المدللة صاحبة الكلمة الأولى وبيتها ملئ بالخدم والحشم الا أنها تخدم بنفسها وتشرف على الضيوف بنفسها دون ان تترك هذا الأمر لأحد آخر، وتقول ديل ضيفان العمدة والعمدة ما زولاً هين لازم نكرمن)، هذه المرأة التي سطرت للتاريخ سطوراً من ذهب لم تمضي حياتها هكذا دون نفع أو جدوى فقد ربت بنين وبنات أصبحوا علامة واضحة من معالم ريف سنار ولهم الكلمة العليا في كل شئ، الحلقات القادمة تحكي عن تاريخ قرية البرسي وعمدتها الفضل زوج زينب بت بابكر وعن أبناءها وبناتها الذين غادر جلهم الفانية لهم الرحمة

حكاوي عن الشخوص والأمكنة
aminafadol@gmail.com

Exit mobile version