رغم بعد المسافة بين الخرطوم وزيورخ إلا أن الأنباء الأخيرة ربطت بين حسابات سودانية في سويسرا والتي كشف عنها تقرير مجلة “لوموند” بيد أن الحكومة نفت أي حساب لمسؤول حكومي في تلك الحسابات بينما يرى خبراء اقتصاديون ان تلك الحسابات القليلة من ناحية المبالغ ترجع لمعاملات تجارية عديدة لعدد كبير من بينهم حاملو الجنسيات المزودجة .
حسابات تغرد في جبال الألب:
نفت الحكومة قطعياً وجود حسابات مصرفية تخص مسؤولين سودانيين في البنوك السويسرية وسخرت في الوقت ذاته من الوثيقة التي نشرتها صحيفة “لوموند” الفرنسية عن ارقام حسابات لرؤساء وزعماء عرب وأفارقة قالت إن من بينهم مسؤولون سودانيون.
وحسب تقارير صحفية دولية فإن العملاء السودانيين في البنوك السويسرية بلغ حسابهم حوالي 209 حساباً بنكياً تم فتحها بين عامي 1974 و2006 وأشارت المصادر الى أن ربع هؤلاء العملاء لديهم جواز سفر سوداني أو يحملون الجنسية السودانية.
وتعود التفاصيل الى تحقيق استقصائي شاركت فيه وسائل إعلام دولية كشفت أن الفرع السويسري لبنك (إتش إس بي سي) البريطاني فتح حسابات سرية لحوالي 100 ألف عميل من دول مختلفة.
نفي حكومي: لا توجد حسابات
وتمثل نتائج التحقيق الذي شاركت فيه “لوموند” الفرنسية و”الغارديان” البريطانية و”بي بي سي” و50 وسيلة إعلامية أخرى تضمن تفاصيل الآلية التي اعتمدها بنك (إتش. إس. بي.سي) لمساعدة عدد من عملائه على إخفاء أموالهم بشكل غير قانوني.
وقطع أمين القطاع السياسي بالحزب الحاكم المؤتمر الوطني ووزير الاستثمار الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل في تصريحات صحفية امس بعدم امتلاك أي مسؤول سوداني لحسابات مصرفية في بنوك غربية وقال أنا أحد المسؤولين الذين تعاقبوا على عدد من المناصب الدستورية والتنظيمية بالحزب والدولة ولا امتلك أي حساب ببنك خارج السودان.
حسابات عمليات عادية:
يقول الخبير الاقتصادي دكتور هيثم محمد فتحي إن علاقة السودان الخارجية كانت متميزة في فترة السبعينات من القرن الماضي مشيرًا الى فترة ازدهار تجارة القطن السودانية إلى الدول الأوروبية ويرى ان وجود تلك الحسابات السودانية يعود الى تلك الفترة ويعتقد ان وجود حسابات سودانية في سويسرا يعود الى قوة النظام المصرفي فيها ويقول سويسرا ولبنان تعتبران من أميز الدول في الخدمات المصرفية للتجارة الدولية وأوضح أن تصدير النفط فتح أبواب البنوك السويسرية للشركات النفطية المتعاملة مع السودان والتي تبدأ من شيفرون وتالسمان والشركات الصينية ويؤكد ان زيادة عمليات شركات المعادن ساعدت في فتح حسابات بنكية لرجال الأعمال السودانيين، بيد أن الخبير الاقتصادي يشير الى زيادة عدد السودانيين الذين يحملون جنسيات مزدوجة ويعملون في غير الدول الخليجية ويقدر عددهم بأكثر من (500) ألف.
فتح الحسابات: حق أصيل
أما الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير يقول إن من حق الدول والسودانيين فتح حسابات في البنوك السويسرية ويرى ان ذلك حقاً ويشير الى الحظر الأمريكي على السودان ومصادرة الأرصدة السودانية، ويقول إن ذلك قلص من الأرصدة في سويسرا بصورة كبيرة. ويرى أن وجود تلك الحسابات السودانية في سويسرا تعود الى حسابات السفارات السودانية في الخارج ولمكاتب تجارية أو تعاملات بين السودان وبعض الدول وتعتبر سويسرا من الدول التي تعمل بمبدأ النظام المصرفي الآمن وسرية المعلومات المصرفية بيد انه يشير الى المتغيرات الأخيرة بعد اقرار قانون الامتثال الضريبي الأمريكي والذي أرغم كل الدول على كشف حسابات أي أمريكي يعمل خارج الولايات المتحدة.
الجاذبية: قوة الفرنك السويسري
لكن ما الذي يجعل الحسابات السويسرية جذابة بالنسبة لرجال الأعمال والسياسيين والأدباء والفنانين بالتأكيد أنها القوانين السويسرية التي تلزم البنوك بالخصوصية وعدم تشارك المعلومات مع الآخرين بجانب أن القانون السويسري يحظر على موظفي البنوك أن يكشفوا أي معلومات تتعلق بحساب أي شخص.
وليست تلك الجوانب التنظيمية هي وحدها من يدفع رجال الأعمال وقادة العمل العام للتوجه الى سويسرا فهناك الاقتصاد السويسري الذي يعرف بقوته الكبيرة وتماسك بنيته حيث عرف موظفو البنوك السويسريون بقدرتهم الجيدة على استثمار الأموال بشكل آمن ومربح،”الفرنك السويسري” واحد من أهم العملات في العالم مدعوم بمعدل تضخم يبلغ الصفر تقريبًا وقوة من الذهب تقدر بـ( 40%) من الاحتياطي العالمي من الذهب.
وهناك جانب آخر مهم يتعلق بحالة سويسرا السياسية باعتبارها دولة محايدة فسويسرا تتبنى سياسة عدم التحالف الدولي أو السياسي كما أن سويسرا تميزت بخاصية نادرة كونها لم تدخل في حرب مع دولة أخرى منذ عام 1505.
وتعد البنوك السويسرية الملاذ الآمن لإيداع الأموال في عالم مضطرب، ومن أهم البنوك العالمية التي تجذب أموال الأغنياء وتشير تقديرات إلى أن الأصول المالية غير المعلنة المودعة في سويسرا تقارب 700 مليار دولار.
عبد الوهاب جمعة: صحيفة الصيحة