حتى الآن لم ترشح أنباء بشأن مباحثات مساعد الرئيس إبراهيم غندور في العاصمة الأمريكية التي تنأى عن الخرطوم بمفازة تربو عن الستة آلاف ميل. غندور أنفق زهاء الثلاث عشرة ساعة من الطيران المتواصل وصولاً إلى واشنطون التي ألقى عصا الترحال فيها صباح الأحد بدعوة رسمية من الإدارة الأمريكية، ولم يعرف بعد هوية المسؤولين الأمريكيين الذي سيلتقيهم لطرح وجهة نظر حكومته حيال القضايا الخلافية، لكن مسؤول القطاع السياسي بالحزب الحاكم مصطفى عثمان يجزم بأن هذه المباحثات (لن تتضمن تنازلات في الثوابت الوطنية).
فزيارة غندور حسبما أفاد به إسماعيل في مؤتمر صحفي بالأمس تعني أن واشنطن شرعت في (مراجعة سياساتها تجاه السودان)، وبغض النظر عن صحة هذا التفسير من عدمه إلا أنه يعني إقرارا من الخرطوم بتنازل أمريكي، خصوصا عند التمعن فيما أشار إليه الرجل أن واشنطن (لم تدع منذ زمن بعيد شخصية سودانية في مستوى مساعد الرئيس ونائب رئيس الحزب الحاكم).. وبالتالي تكون الخرطوم مواجهة بتعريف مرن حول ما تسميه (ثوابت وطنية)، لأنه ما من مفاوضات جدية دون تنازلات من طرفيها وبالتأكيد مستمدة من قوة أي منهما على الأرض.
فإسماعيل يرى أن مهاتفة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لنظيره علي كرتي في أكتوبر الماضي كانت مؤشرا لرغبة أمريكية في الحوار بدأت عمليا بزيارة غندور التي يريدون من خلالها (شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع العقوبات).. لكن ثمة ما يشير إلى أن تفاؤل الحكومة مبالغ فيه بشأن الزيارة رغم كونها الأولى من نوعها، لسبب بسيط هو أن الخارجية الأمريكية أصدرت قبل أيام قلائل بيانا أكدت فيه أن سياسة بلادها تجاه السودان (لم تتغير). والأهم أن البيان صدر بالأساس لنفي علاقة الإدارة الأمريكية بزيارة كرتي لواشنطن والتي كانت بالأصل للمشاركة في (صلاة الإفطار الوطني) التي تنظمها مجموعة الأسرة المسيحية ذات النفوذ الواسع بعد تزايد الضغوط والانتقادات التي قادها نشطاء حقوقيون وجماعات ضغط أمريكية تتحرك هي الأخرى الآن للتنديد بزيارة غندور مدعومة من أعضاء بارزين في الكونغرس الذي أصدر رئيس لجنة حقوق الإنسان المنبثقة عنه جيم ماكفيرن بيانا مشتركا مع السناتور جوزيف بيتس قالا فيه إنه (لا ينبغي دعوة مسؤولين سودانيين لحضور مناسبة تنظم باسم الكونغرس).
وبما أن الخارجية الأمريكية تؤكد أن سياستها تجاه الخرطوم (لم تتغير) سيجد غندور نفسه أمام الحجة الأمريكية التي يجدد بها الرئيس الأمريكي سنويا العقوبات المفروضة على السودان منذ 1997 وهي (استمرار الارتباط بشبكات الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان).
ومن نافلة القول إن الولايات المتحدة تستقي تهمة الإرهاب الموجهة للخرطوم من توجه الأخيرة الإسلامي والتي بدورها تستمد من هذا التوجه ثوابتها التي جزم مسؤول القطاع السياسي للحزب الحاكم بأنه لن تغشاها التنازلات.
والأهم من كل ذلك أن الخرطوم ترى ولا تزال في اشتراطات الولايات المتحدة الأخرى لتطبيع العلاقات والمتصلة بحل أزمة الحكم وتسوية النزاعات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق (تدخل في الشؤون الداخلية) لا تقبل به البتة، وبالتالي ستحدد خواتيم زيارة غندور إن كانت (لا) تتبعها (لن) المستقبلية بذات الإصرار القديم أو يمكن أن تتحول ولو على الأقل إلى (ربما).
محمد الخاتم: صحيفة اليوم التالي