يعتبر تعدد الزوجات عادة شائعة في العديد من المجتمعات الأفريقية، ومن بينها جنوب السودان، حيث يعتبر الكثيرون الاقتران بأكثر من زوجة وإنجاب الكثير من الأطفال، “مدعاة للافتخار، و”علامة على الثروة والمكانة الاجتماعية”، فيما ينتقده آخرون بوصفه “عادة سيئة” تعزى إلى الكثير من العلل الاجتماعية.
“تعدد الزوجات يلعب دورا في الفساد المستشري، وأطفال الشوارع، والفقر المدقع، لأن مستوى المعيشة اليوم قد تغير مقارنة بالأيام (السابقة)”.. هكذا استهلت حديثها لوكالة الأناضول أنغلينا باجو، (47 عاما) وهي من سكان العاصمة جوبا.
وقالت “باجو”: “في أيامنا هذه، يحتاج الأطفال تعليمًا جيدًا وملابس ورعاية صحية، وغذاء وهذه الأشياء أصبحت مكلفة للغاية للعائلات التي تمارس تعدد الزوجات والتي تعيش في المدن“.
ووفقا لـ”باجو”، هذا هو السبب في أن كثيرا من الرجال في جنوب السودان ينتهي بهم المطاف باختلاس الأموال العامة.
وأضافت: “يتعين على زعماء جنوب السودان تشجيع الزواج الأحادي باعتباره أفضل الممارسات، والتعبير عن ذلك في دستور البلاد“.
وتابعت “باجو”: “يجب على القبائل أيضا أن تتوقف عن النظر إلى تعدد الزوجات كفلسفة ثقافية“.
وتضم جنوب السودان 64 قبيلة، ويبلغ عدد سكانها حوالي 8.2 ملايين نسمة، وفقا للتعداد السكاني لعام 2008، الذي كشف النقاب عنه في عام 2010، وتقدر أعداد النساء بأكثر من ثلاثة أضعاف الرجال.
ويسود تعدد الزوجات في صفوف جميع القبائل، غالبا وسط الرجال الذين عادة ما يتزوجون أكبر عدد ممكن من الزوجات قدر الإمكان، بدون حد أقصى.
وفي حديث لوكالة الأناضول، اعتبر “أرول غاو أرول”، وهو زعيم إحدى القبائل، في ولاية شمال بحر الغزال (شمال غرب)، أن تعدد الزوجات ساهم إلى حد كبير في استقلال جنوب السودان.
وقال “أرول”: “خلال حرب التحرير، اتضح أنه (تعدد الزوجات) مصدر (للطاقة البشرية) جيد للغاية، لأن الجنوبيين أنجبوا العديد من الأطفال الذين شكلوا قوة كبيرة للقتال في النضال من أجل التحرير“.
وأشار الزعيم “أرول” إلى أن “النضال التحرري نجح لأن العديد من القبائل في جنوب السودان شجعت تعدد الزوجات“.
وأوضح أن “المجتمعات التي مارست تعدد الزوجات في الأعوام الماضية، كانت تعتبر غنية ولم تشهد أبدا مثل هذا الفقر الحاد الذي نتحدث عنه اليوم“.
من جانبه، يعتقد “دينغ”، (35 عاما)، الذي اكتفى بذكر اسمه الأول فقط، وهو من وهو موظف حكومي من سكان جوبا، أن تعدد الزوجات يفسد الكثير من رجال جنوب السودان.
وقال في حديث لوكالة الأناضول: “كبار المسؤولين الحكوميين يسرقون المال العام لإطعام أسرهم الكبيرة، ويتركون المجتمعات الفقيرة تعاني“.
وأضاف “دينغ”: “تجد شخص له ست زوجات، قادر على تلبية جميع احتياجاتهم، وراتبه الشهري 2000 جنيه جنوب سوداني (351 دولار أمريكي) أو 2500 (439 دولار أمريكي)”.
إلا أن دينغ اعتبر أنه “من مظاهر سوء استغلال السلطة، استخدام الأموال العامة لتحقيق الرغبات الشخصية مثل الاقتران بكثير من الزوجات“.
وهو الرأي الذي خالفه توماس حكيم، (62 عاما) وهو موظف حكومي متقاعد.
وفي حديث لوكالة الأناضول، قال “حكيم” إن “الفقر ليس بسبب تعدد الزوجات، فوالدي كان لديه حوالي ست زوجات، وكان لديه الكثير من الثروة التي حصل عليها بعرقه“.
وأضاف: “أنا لا أرى أن الاقتران بالعديد من الزوجات مشكلة، وكل ما تحتاجه فقط هو أن تتدبر الأمر”.. أضاف “حكيم” الذي لديه ثلاث زوجات و25 طفلا نفسه.
وأشار إلى أن الوضع صعبا عندما يكون الأطفال صغارا، و”لكن عندما يكبرون، تستمع حقا بالأمر“.
ومضى “حكيم” قائلا: “تعدد الزوجات هو جزء من حياتنا، إنه جزء من ثقافتنا ولا نستطيع وقفه“.
من جهته، أشاد غابرييل روريك رئيس أساقفة الكنيسة البروتستانتية الأسقفية، وهي كنيسة تتبع الطائفة الإنجليكانية، بتعدد الزوجات باعتباره “فخر الأفارقة”، وقال إن هؤلاء الذين يعارضونه “مضللين من خلال فلسفة العالم الغربي تجاه الزواج“.
وقال “روريك” في حديث لوكالة الأناضول: “بالنسبة لي كأفريقي أنتمي لقبيلة الدينكا على وجه الخصوص، تعدد الزوجات مصدر فخر وهيبة، وخصوصا عندما تنجب الزوجات اللواتي تقترن بهن العديد من الأطفال الذين يتحولون إلى مصدر للأمن والقوى العاملة“.
وأضاف: “في أي حالة، تعدد الزوجات هو ممارسة تفعلها عائلات ثرية، لأن الفقير لا يمكن أن يتزوج حتى زوجة واحدة إذا لم تتوفر المهور، ناهيك عن نية الاقتران بكثير من الزوجات“.
وجنوب السودان، دولة وليدة انفصلت عن السودان عبر استفتاء عام 2011 بعد واحدة من أطول الحروب الأهلية في أفريقيا، وتشهد منذ منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2013، مواجهات دموية بين القوات الحكومية ومسلحين مناوئين لها تابعين لريك مشار النائب السابق للرئيس سلفاكير ميارديت، بعد اتهام الرئيس لمشار بمحاولة تنفيذ انقلاب عسكري، وهو ما ينفيه الأخير.
وينتمي سلفاكير ومشار لقبيلتي الدينكا والنوير، على الترتيب، وهما أكبر قبيلتين في جنوب السودان، حيث تلعب القبلية دورا محوريا في الحياة السياسية.