الطيب مصطفى : عندما عضَّ الرجلُ كلباً!

[JUSTIFY]مانشيت عريض بالخط الأحمر كاد أن يبكيني ويضحكني في وقتٍ واحدٍ، نشرته صحيفة التيار يقول (تحركات لتطبيع علاقات السودان ويوغندا).

إنه نبأ عظيم أو قل لافتاً للنظر من الطراز الذي يشبه عند رجال الصحافة والإعلام خبر (عض الرجل كلباً)، ذلك أن التطبيع مع يوغندا لا يقل إدهاشاً وصعوبةً من دخول الجمل في سم الخياط!.

ما يجعل مانشيت التطبيع مع يوغندا مدهشاً أنه جاء بعد ثلاثة أيام من خبر أوردته صحيفة ألوان بمانشيت أحمر آخر يقول: ألوان تكشف ما دار بين البشير وموسفيني بأديس أبابا)، حيث ورد في متن الخبر تفاصيل ملاسنة حادة حدثت بين الرئيسين البشير وموسيفيني في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، اتهم فيها الرئيس اليوغندي الرئيس البشير بدعم حركة رياك مشار الذي يخوض حرباً ضد رئيس دولة الجنوب سلفاكير، وقال موسيفيني للبشير (مشار مستمسك بمواقفه بسبب استقوائه بكم)، ورد البشير على كلام موسيفيني بقوله (إن كنا ندعم المعارضة الجنوبية لما كانت حكومة جوبا ولا يوغندا)، الأمر الذي أدى إلى خروج موسفيني من مقر المفاوضات غاضباً متجاوزاً قواعد البروتكول الرسمي ليهبط في جوبا قبل أن يصلها رئيس دولة الجنوب سلفاكير بل أن موسيفيني فور وصوله جوبا، ويا للعجب, عقد اجتماعاً مطولاً مع ولاة الولايات الاستوائية الثلاث الذين كانوا بأديس أبابا (شرق وغرب الاستوائية ووسطها)، ولا أظن الاجتماع تناول أمراً غير السودان!.

خبر الملاسنة التي حدثت بين البشير وموسيفيني كان بتاريخ 3/2/2014م، بينما جاء خبر التطبيع بين السودان ويوغندا بتاريخ 6/2/2014م. فتأملوا من فضلكم قبل أن نستكمل القصة!

التيار قالت مفصلة خبر التطبيع بين السودان ويوغندا إن رئيس البرلمان د. الفاتح عز الدين كشف في مؤتمر صحفي أنه اجتمع خلال زيارة له على رأس وفد برلماني رفيع إلى العاصمة اليوغندية كمبالا للمشاركة في احتفالات السفارة السودانية بكمبالا بأعياد الاستقلال.. اجتمع مع نائب الرئيس اليوغندي الذي أكد لدكتور الفاتح (استمرار الحوار المثمر بين البلدين لتطبيع العلاقات ودفع اللجان المشتركة للالتقاء بصورة دورية، مضيفاً (أن هناك عملاً دؤوباً وجاداً سيمضي لإزالة المشكلات العالقة بين السودان ويوغندا). وقال (إن الموقف حالياً جيد من كمبالا وسيمضي إلى تفاهمات تنتهي إلى تطبيع العلاقات بين الخرطوم وكمبالا).

عزيزي د. الفاتح.. ليتكم توفرون جهدكم ووقتكم ومالكم في شيء أنفع لبلادنا، وليتكم كذلك لو تفاكرتم مع وزارة الخارجية لتعرفوا حقيقة العلاقة بين السودان ويوغندا قبل أن تسرف في التفاؤل وتتحدث عن تطبيع للعلاقة بين الدولتين التي لم تكسب عافية منذ أن حط موسيفيني قدمه في قصر الرئاسة اليوغندية منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً

الملاسنة والمخاشنة التي حدثت بين الرئيسين البشير وموسيفيني في أديس أبابا عبرت عن علاقة مأزومة بين الدولتين بل عن عداء إستراتيجي يوغندي سافر لطالما كتبنا عنه ضد السودان، فقد أرقنا مداداً (يملأ جرادل) عن أن موسيفيني ظل جزءاً من مشروع السودان الجديد لإعادة هيكلة السودان وتغيير هويته والذي ظل هماً استراتيجياً لجون قرنق منذ أن شنّ حربه الأخيرة عام 1983م، ومعلوم أن موسيفيني زامل قرنق في الدراسة بالعاصمة التنزانية دار السلام وشهدا سوياً في ديسمبر 1964م مذبحة العرب في زنجبار والتي توحدت مع تنجانيقا لتكوّنا دولة تنزانيا وتأثر الرجلان بتلك المذبحة التي قادها العنصريون ممن تبنوا الأفريقانية عقيدة عنصرية معادية للعروبة كأثنية وكثقافة. وقد كتب د. عبد الله علي إبراهيم بحثاً رائعاً عن تلك المذبحة التي حدثت للعرب الذين حكموا بعض مناطق شرق افريقيا وأخضع قرنق الصراع الجنوبي الشمالي لنفس النظرية، وظل موسيفيني يحمل نفس المفاهيم العنصرية في علاقة الشمال والجنوب ومما نلفت النظر إليه أن الرئيس الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا تأثر بما بثه قرنق من دعاية معادية للشمال، ولم يزر مانديلا السودان حتى وفاته بالرغم من أنه كان أيام النضال يحمل جواز سفر سودانياً بينما زار عدداً من الدول الأفريقية، ملبياً دعوة زعمائها ومن بين تلك الدول ليبيا وقد كان قرنق يقول للأفارقة جنوب الصحراء (إن العرب في السودان لا يختلفون عن البيض في جنوب أفريقيا)، مما ألّب الكثيرين منهم على السودان وشعبه.

لذلك فقد ظل موسيفيني عدواً للسودان سيما بعد أن دخل بجيشه في دولة الجنوب مناصراً لسلفاكير في صراعه مع مشار، ولست في حاجة إلى أن أذكر باحتضانه للجبهة الثورية ودعمها بالسلاح ولاجتماعات المعارضة السودانية وشهدت عاصمته إبرام عددٍ من المواثيق المعادية للسودان ولن أنسى تدخلاته في حرب الجنوب دعماً لقرنق بما في ذلك الغزو اليوغندي المسمى بمعركة الأمطار الغزيرة عام 1998م

أرجو من د. الفاتح أن يترك الخبز لخبازه، وأن يعطي القوس باريها، وينشغل بالدور الحقيقي للبرلمان كرقيب على السلطة التنفيذية بدلاً من الانشغال بالنافلة عن الفريضة.

صحيفة الصيحة [/JUSTIFY]

Exit mobile version