أجسادهم نحيلة وقلوبهم معذبة المشردون على الأرصفة .. غربة الوطن والمجتمع

على قارعة الطرقات يفترشون الأرض ويلتحفون آمالهم العريضة ويكبتون أوجاعهم المؤلم وينتظرون في كل بزوغ فجر جديد أمل يقذف أحلامهم الرثة من طول الانتظار للحياة التي يستحقها الإنسان كما كرّمه الله؛ ولكن لا جديد ينتظر من أشعة الشمس التي تعيد ذات الأمس بشئ من الحسرة والأسى، ولكنهم يظلون يسبحون بصبر أيوب بعد أن فقدوا الأمل في أنفسهم وفي دولة عمر بن عبدالعزيز المنتظرة مئات من السودانين الذين رمتهم الأقدار ليعيشوا دون مأوى، ويقضون لياليهم داخل زوايا ضيقة إلا من بعض الأسمال البالية أو قطع الورق المقوى “كرتون” أملاً في أن تحميهم من بردٍ قارس ٍوتأنس وحدتهم الموحشة أو التفاتة إنسانية من جمعية خيرية أو أفراد، يقدمون لهم وجبة ساخنة تعيد الدفء لأمعائهم الخاوية. ورغم جهود الجمعيات الخيرية والأفراد في حماية هؤلاء من خطرالموت في العراء، إلا أنها تبقى غير كافية لتلك الفئة المنتشرة في الساحات العمومية ومحطات النقل وقرب المقار الحكومية ودور العبادة، ولعل ما فاقم الأمر هو إصابة البعض منهم بأمراض عقلية، ولا يمكن التحكم في حركتهم أو سلوكياتهم وتنقلاتهم.

وفي هذا الصدد ذكر م.س ناشط في حقوق الإنسان أن عشرات المشردين يعانون من أمراض عقلية في شوارع مدينة الخرطوم والمدن الأخرى وأصبحوا فرائس سهلة أمام ضعف حيلتهم وإمكانية حصولهم على مأوى أو طعام، بعد تأخر الجهات المسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن مد يد العون إليهم وتركهم عرضة لتأثيرات تقلبات الجو وحياة البؤس .

وهؤلا المشردون للأسف من مختلف الأعمار والفئات “رجال، نساء، أطفال صغار، شيوخ وعجائز” تعودوا على نمط معين من الحياة، لكن يبقى الليل عدوهم اللدود لأنه يفرض عليهم ظروفاً أكثر قساوة وألماً، وقد تتحول زاوية أو قطعة ورق مقوى إلى نوع من الرفاهية بالنسبة لهؤلاء مقارنة بمن لم يحظَ بمثل هذه الفرصة.

ويرى الدكتور خضر الخواض استشاري علم الاجتماع أنه من أهم العوامل والأسباب التي جعلت المشردين يتخذون الشوارع مأوى لهم فقدان العلاقات العائلية والاجتماعية والبطالة وأزمة السكن والفقر، بالإضافة إلى الاضطرابات النفسانية”.

وتقود مبادرة “كلنا ليكم” جولة ميدانية بعد العاشرة ليلاً، لتسليط الضوء على معاناة هؤلاء الأشخاص، كفيلة بالكشف عن حجم المعاناة التي تلقي بظلالها علي هؤلاء

ومن بين الملاحظات التي وقفنا عليها، لدى الأشخاص المشردين، معاناتهم من قلة النوم وشعورهم بالخوف والقلق، بالإضافة إلى أجسامهم النحيلة نتيجة سوء التغذية، وانعدام النظافة وثيابهم البالية التي تكاد تستر عوراتهم، ومعاناتهم من عدة أمراض نتيجة عدم استفادتهم أو تلقيهم لأية رعاية صحية.

وتظل المعاناة مستمرة دون أي عون ملموس يتلقاه هؤلاء الذين عصفت بهم الاقدار خلف أتون الظلام ولكن برغم الوحدة المفرطة إلا أن الأمل موجود ورب العباد رحمته تسع كل شئ.

فتح الرحمن حمدان
صحيفة التغيير

Exit mobile version