مزمل ابوالقاسم :من الهشاشة إلى البؤس والتعاسة

* قبل فترة أصدر صندوق دعم السلام (Fund For Peace) تصنيفاً لأكثر الدول هشاشةً في العالم، استند إلى اثني عشر معياراً رئيساً، انحصرت في شرعية الدولة، ومدى احترامها لحقوق الإنسان، ومعدلات هجرة العقول، ومظالم المجموعات، والضغوط الديموغرافية، والحركة السلبية للاجئين والمشردين، وضعف التنمية الاقتصادية والخدمات العامة، وتراجع المؤشرات الكبرى، مثل الدخل القومي وسعر صرف العملات المحلية والميزان التجاري، ومعدلات التدخل الدولي في الشأن المحلي، وغياب الشفافية.

* تم تحويل مصطلح القياس من (الدول الفاشلة) إلى (الهشة) في تصنيف العام المنصرم.

* كثيراً ما تتعرض مثل تلك التصنيفات إلى التشكيك، بادعاء أنها تفتقر إلى الموضوعية، ولا تخلو من الغرض.

* نقر بأن بعضها لا يخلو من الأجندة، مثل التصنيف المتعلق بقوائم الدول الداعمة للإرهاب، لأنه يستند في الأساس إلى دوافع وحسابات سياسية، لكن معظم التصنيفات الباقية تصدر من جهاتٍ لا يقوم بينها أي نوعٍ من التنسيق، وتستند إلى دوافع وحسابات علمية واقتصادية واجتماعية، لا علاقة لها بساس يسوس مطلقاً.

* احتلت دولة جنوب السودان المركز الأول بين دول العالم من حيث (الهشاشة)، وانتزعت (قمة البؤس) من الصومال في العام المنصرم، وأتت إفريقيا الوسطى والكنغو الديموقراطية في المرتبتين الثالثة والرابعة، وحل السودان خامساً، فهل هناك أي شك في أن الدول المذكورة تعاني واقعاً بائساً في كل مناحي الحياة؟

* هل هناك من يكابر في سوء حالها وشقاء أهلها وتدهور خدماتها؟

* المثير للقلق حقاً أن السودان تراجع مرتبتين، ليسبق دولاً تعاني أوضاعاً مأساوية، مثل ليبيا واليمن وسوريا والعراق، أما على صعيد الدول الأقل هشاشة فقد احتلت فنلندا والسويد والدنمارك والنرويج وسويسرا رأس القائمة.

* نظرة سريعة إلى قائمة التصنيف تشير إلى منطقيته، وتبعد عنه شبهات الاستهداف والترصد التي كثيراً ما نعلق عليها فشلنا، ونتخذ منها شماعةً لتبرير تراجعنا في كل الصُعد.

* حل السودان ثانياً على الصعيد العربي (بعد سوريا الممزقة)، والحادي عشر عالمياً في مؤشر البؤس العالمي، وأتى في المرتبة الثالثة عالمياً في مؤشر الدول الأكثر فساداً، وقبع بعد الصومال وأفغانستان، وحصل على المرتبة (171) في قائمة الدول الأكثر فقراً من بين (187) دولة، وتوسط قائمة أسوأ عشرين دولة في مؤشر مكافحة غسل الأموال، وحصل على مرتبة متأخرة في التصنيف المتعلق بحرية الصحافة.

* بعض تلك التصنيفات تقبل التعاطي معها بالشكليات، مثل التصنيف المتعلق بمحاربة غسل الأموال، لأن مجرد عدم الالتزام بوضع لافتات في المطارات والموانئ، لتنبه القادمين إلى إعلان المبالغ المالية المحمولة معهم، وتحديد سقف معين لها يمكن أن يطيح من لا يلتزم به إلى ذيلية القائمة.

* لكن القضية في عمومياتها لا تتعلق بمحاولة استيفاء بعض شروط التصنيفات المذكورة، ولا بالاجتهاد لتجنب الوقوع في فخاخها شكلياً، لأن تحسين التصنيف مرتبط في الأساس بضرورة تحسين الواقع نفسه، وبالاجتهاد لتوفير سبل العيش الكريم للمواطنين، وضمان حصولهم على حقوقهم واحتياجاتهم الأساسية، وتحسين البيئة المحيطة بهم، لأن ذلك ينعكس تلقائياً على واقع الدولة وتصنيفها في كل ترتيب.

* لو توافرت الجدية اللازمة، وصح العزم على تحسين الواقع السيء، وتمت معالجة مسببات الفقر والهشاشة والبؤس والتعاسة والتخلف، وأمعنا في محاربة دواعي تراجعنا في كل المجالات، فسيرتفع تصنيفنا تدريجياً في كل المؤشرات العالمية.

* الاعتراف بالمشكلة يمثل أول مداخل الحل

اليوم التالي

Exit mobile version