:: ومن أروع الرسائل، أرسلها صديق، ما لخصت أسباب نهضة اليابان ووعي شعبها..على سبيل المثال، في المدارس اليابانية، يدرس تلميذ الصف الأول الابتدائي، بجانب المواد المدرسية، مادة أساسية اسمها (الطريق إلى الأخلاق)، ليتعلم ثقافة التعامل مع الآخر بوعي ومسؤولية..ومن الصف الأول الابتدائي، وحتى نهاية المرحلة المتوسطة، لا يُوجد ما يُسمى – في مدارسنا المتخلفة – بالنجاح والرسوب في النتائج، لأن الهدف في هذه المرحلة ليس تلقين التلميذ المواد – بغرض الحفظ والتسميع – كما الببغاء، بل التربية وبناء الشخصية واكتشاف الموهبة واكتساب المعرفة وهي أهداف هذه المرحلة التعليمية.
:: ومع الكتب والدفاتر والأقلام، يحرص التلميذ الياباني على أن تكون فرشاة أسنانه في حقيبته المدرسية، ليستعملها عقب إفطاره وبهذا يكون قد تعلم الحفاظ على صحة وسلامة أسنانه.. وعلماً بأن مدير المدرسة والأساتذة يسبقون تلاميذهم بنصف ساعة في الأكل من ذات المائدة المعدة للتلاميذ، ولا يفعلون ذلك إلا ليتأكدوا – بالتجريب على أنفسهم – من سلامة ونظافة طعام تلاميذهم، وهذه مادة – عملية – يمكن تسميتها بالتضحية..ومع عمال النظافة، يشارك المدير والأساتذة والتلاميذ في نظافة مدرستهم لمدة ربع ساعة يومياً، ومن هنا يتعلم التلميذ التواضع ثم الحرص على نظافة مدرسته.
:: ولهذا، أي بهذا التعليم المثالي، يكتسب الشعب الياباني وعياً يسمى عامل النظافة بـ(مهندس الصحة)، ويُكافأ براتب يُمكنه من العيش كالآخرين بلا متاعب.. ومن الوعي أيضاً، لا يستخدم الياباني الهاتف السيار في المركبات والأماكن العامة، وهذا لم يحدث بالمحاذير والملصقات والعقاب، بل يمتنع عن الاستخدام بالفطرة السوية التي شكلتها التربية والتعليم في طفولته..وبالمطاعم، لا يطلب الياباني من الأكل والشرب إلا ما يسد بهما (جوعه فقط)، ويحرص أن ينهض من المائدة تاركاً النظافة كدليل على أنه لم يطلب إلا ليأكل، وليس ليرميه في (القمامة).. وإذا تأخر القطار عن إحدى المحطات خمس دقائق فقط لا غير، فهذا حدث يُستدعي المساءلة ومعرفة الأسباب وعلاجها!!
:: والمهم.. فالصديق صاحب الرسالة التي تُلخص أسباب نهضة اليابان، هو ذات الصديق الذي أرسل مُعاتبا على زاوية الأمس التي عرضت فيها رفض وكيل وزارة المالية على تنفيذ نص قانوني يُمكِّن الاتحاد السوداني للبلياردو من تخليص معدات رياضية بلا رسوم جمركية..فالصديق يسأل معاتباً: (ياخ الناس في شنو واتحاد البلياردو في شنو؟ هسع دي قضية؟).. للأسف، كل كوارثنا شرارتها الأولى هي: (هسع دي قضية؟).. استسهال مخالفة مسؤول بحجم وكيل وزارة المالية لنص قانوني (ما قضية)، وكذلك تعطيل ثم إلغاء منافسة إقليمية تشارك فيها الدول العربية (ما قضية).. والأدهى والأمر، حسب معيار هذا الصديق، كل قضايا الآخرين ما لم تكن قضيتك أنت شخصياً في متنها أو في إطارها (ما قضايا).. وعليه، يبدو أن البلاد بحاجة إلى رياض أطفال يابانية لنتعلم جميعاً ثقافة التعامل مع الآخر بوعي، واحترام قضيته.
السوداني