خلال العقد الاخير من القرن الماضي ومع انتشار المدارس الخاصة والتي بلغت في ولاية الخرطوم فقط (1273) مدرسة أخذت مشاكل التعليم الخاص تطفو على سطح الاحداث بدءاً بالمفهوم وانتهاءً بغياب التشريعات مما افرز العديد من المشاكل التي اصبحت من أهم المعوقات امام تطوره بل ألقت هذه المشاكل بظلال سالبة وآثار اجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة خلال هذا التحقيق نستعرض هذه المشاكل التي تواجه المدارس الخاصة من اصحاب الاختصاص وإدارة التعليم غير الحكومي بوزارة التربية والتعليم ولاية الخرطوم.
تكمن أهمية التعليم الخاص من واقع الحال في السودان كدولة نامية تعجز امكاناتها عن تلبية الحاجات المتزايدة للسكان في مختلف أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، كما ان أهمية التعليم الخاص تنبع من كونه هو أصل العمل المجتمعي الذي يساعد في بناء السودان الحديث لذلك فان انتشار التعليم الخاص عمَّ معظم ولايات السودان المختلفة، لكن هذا الانتشار لم يواكبه انتشار نوعي في السياسات والخطط والبرامج والتشريعات مما افرز بعض الآثار السالبة على العملية التربوية برغم الايجابيات وتشير الدراسات الى ان رسالة الدولة تجاه التعليم الخاص حسب ما جاء في توصية مجلس الوزراء للعام 2006م، المتمثلة في الاستمرار في سياسة التوسع في التعليم العام والعالي حتى يبلغ المعدلات العالمية في القبول ودفع مؤسسات التعليم الخاص في اكتساب كادر بشري مدرب يغطي الاحتياجات بالاضافة الى سد النقص بواسطة مؤسسات التعليم الخاص وفقاً لاحتياجات الدولة. وتمثل تجارب الدول رافداً اساسياً لصياغة التعليم الخاص كمنهج مقارن وبعد الاطلاع على تجارب الدول الاسلامية والعربية لقربها من ثقافة المجتمع السوداني فلا بأس من الاستفادة من تجارب التعليم الخاص في كل من المملكة العربية السعودية والاردن وسلطنة عمان، وقطر فالتعليم الخاص فيها يدعم بواسطة الدولة وذلك بتوفير المنشآت وفقاً للمواصفات التربوية والمناشط والنواحي الفنية والادارية.
—–
الجودة والمنافسة
فلا بد ان يلتزم التعليم الخاص بالاهداف العامة للتعليم العام بالاضافة الى الاهداف الخاصة به ويسعى إلى التجويد واتاحة الفرص لأولياء الأمور لإختيار التعليم الذي يرغبونه لإبنائهم وإذكاء روح التنافس بين مؤسسات التعليم الحكومي والخاص والتي تزيد فرص جودة التعليم ومن اهداف التعليم الخاص زيادة فرص التعليم لشرائح المجتمع كافة والاستفادة من خبرات المعلمين المعاشيين بالاضافة الى احداث نقلة نوعية لوظيفة المدرسة وتطوير العملية التربوية وفقاً للتقنيات الحديثة لتعليم عصري يتبناه هذا القطاع لتجويد التعليم.
وأجمع كثير من الخبراء التربويين على ضرورة توفير الأرض لمؤسسات التعليم الخاص باسعار رمزية والاعفاء من جميع الرسوم المفروضة عليها بمسمياتها المختلفة اسوة بمؤسسات التعليم الحكومي والعمل على تحسين البيئة المدرسية وتطوير المدارس الخاصة لما تقوم به من دور مهم يكمل دور المدارس العامة ويرون ضرورة توفير الكتاب المدرسي ولو بثمن اسمي «رمزي» والمشاركة في تدريب معلمي المدارس الخاصة لتجويد التعليم بتلك المدارس بجانب المساهمة في توفير المعينات المساعدة في عملية التعليم، كما لا بد ان تتناغم جهود كل اجهزة الدولة لتنفيذ سياسة الدولة تجاه التعليم الخاص بوضع الاستراتيجيات والخطط والبرامج المصاحبة لهذا الشأن واستحداث التشريعات والقوانين التي تحقق الاهداف العامة للتربية والتعليم وربطها بالمسار التربوي والبعد عن الربحية بعد التطرق الى معرفة فلسفة الدولة ورؤيتها ورسالتها تجاه التعليم الخاص ويجب ان تضمن دراسة هذه العناصر في صورة الاهداف العامة للتعليم والتشريعات وانواع التعليم المختلفة وصولاً للاهداف العامة.
المشاكل والمعوقات
خلال العقد الاخير من القرن الماضي اخذت مشاكل التعليم الخاص تطفو على سطح الاحداث ويرى (الاستاذ عبد المنعم علي) في دراسة اعدها أهم المشاكل في المفهوم، حيث يتراءى للبعض ان التعليم الخاص ما هو إلاّ استثمار مادي بحت وما هو إلاّ تعليم الصفوة من ابناء الاغنياء في الوقت الذي اهملت فيه الدولة المدارس الحكومية واصبحت المدارس الخاصة هي المفضلة للنجاح. كذلك غياب آليات وتشريعات الدولة في مساعدة منظومات التعليم الخاص في التطور والتنمية اتاحت فرصة للنظرة الضيقة باعتباره نشاطاً استثمارياً يجتذب موارد للدولة وان غياب البنية التنظيمية لقطاع التعليم الخاص نتج عنه ضعف التنسيق وبناء المواقف لتطوير القطاع وحمايته واقصائه عن الشورى واعداد المناهج والتدريب واستراتيجيات التصميم واعمال الامتحانات القومية والولائية.
ويقول كل ذلك أفرز العديد من المشاكل التي اصبحت من أهم المعوقات امام تطوره بل ألقت هذه المشاكل بظلال سالبة وآثار اجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة وهي عدم إلتزام السلطات المحلية بتوجيهات واسس منح الاراضي للمدارس الخاصة والجبايات المتعددة التي تفرضها المحليات بمسميات مختلفة (عوائد وخدمات وتنمية وتأهيل وغيرها)، كذلك هنالك مشاكل عدة مع السلطات التعليمية منها التقصير من جانب الادارات التعليمية في برنامج المناهج والتوجيه والتدريب واعمال الامتحانات لمعلمي ومعلمات المدارس الخاصة.
معاناة بلا حدود
مجموعة من مديري واصحاب المدارس الخاصة بمحلية الخرطوم أبدوا تذمرهم وسخطهم لسياسة الدولة تجاه التعليم الخاص ويرون ان المشاكل التي تواجه المدارس الخاصة بسبب عدم تشجيع الدولة للتعليم الخاص بل وضعت عليه مجموعة من القيود بداية بعدم منحها اراضي ويرى احدهم بان السنوات الخمس غير كافية فالمدرسة لا تستطيع توفير ميزانية فقط تغطي المصروفات من ايجارات ومرتبات وعوائد فبعض من هذه المدارس مديونة فكيف لها ان تدفع أكثر من مليار جنيه لشراء قطعة الارض وباي حق تسجل باسم الوزارة؟ وكيف تستطيع بناءها؟ لذا لا بد للدولة ان تسهم في منح اصحاب المدارس الخاصة اراضي في اماكن مناسبة وبأسعار معقولة واعطائهم (10) سنوات بدلاً عن (5) سنوات وحكى آخر معاناته بقوله ذهبت الى الوزير لشراء قطعة الارض وتم التصديق وتحويلي الى وزارة التخطيط العمراني وهي بدورها حولتني الى إدارة الاستثمار وحتى الآن لم امتلك القطعة فقط وعود و«امشي وتعال بعد شهر».
موجهة تربوية بالمدارس الحكومية والخاصة بمحلية الخرطوم فضلت حجب اسمها تقول هنالك اجحاف في التعليم من ميزانية الدولة فحتى المدارس الحكومية تفتقر لميزانية التسيير وليست لديها امكانيات، كما توجد في المدارس الخاصة فتجميد بعض من المدارس الخاصة كارثة للمجتمع وعدم مراعاة للطالب وأولياء الأمور في حالتهم النفسية واشارت الى وجود خلل في التعينات فالمدارس النموذجية لتحتكر افضل المعلمين والطلاب فيجب ان تكون هنالك موازنة عادلة بين المدارس كذلك اذا كان هنالك قصور في احدى المدارس الحكومية من جانب المعلم لا يحاسب بل يترقى اسوة بزملائه، أما في المدارس الخاصة يُفضل المعلم لذا فالمدارس الخاصة لها امتيازات عديدة لا توجد في المدارس الحكومية خاصة من ناحية المعلمين فالمدارس الخاصة تستوعب معلمين مدربين ولهم خبرة طويلة لكنها تقول للاسف فالمعلم هو الضحية وليس لديه مرتب ثابت خلال الاجازة بالرغم من ان الحد الادنى لمرتباتهم (400) جنيه فمن اين يعيش المعلم في تلك الاجازة؟ وترى ان (50%) من المعلمين سوف يصابون بانهيار عصبي في حالة تجميد تلك المدارس فكم معلم سوف تستوعبه الحكومة؟ وهل تستطيع ان تسد النقص من ناحية المدارس؟
أما الاستاذ ميرغني أحمد – مدير مدرسة الخرطوم الدولية باركويت – انتقد وزارة التربية والتعليم في فرضها على المدارس الخاصة سداد رسوم باهظة (2%) دون مقابل مشيراً الى الامتيازات التي تقدمها تلك المدارس والمتمثلة في البيئة المدرسية الصالحة والاجلاس الفاخر والكتب الجاهزة يتم تجديدها كل عام بالاضافة الى الفصول المكيفة وبها مولدات في حالة انقطاع التيار الكهربائي ومعظم المدارس الخاصة بها نواة للمكتبة وبعضها بها ميادين ضخمة للمناشط ومعظمها بها مناهج اضافية كمادة الحاسوب واللغة الانجليزية وبرنامج «اليوسي ماس» كما تمتاز هذه المدارس بالانضباط في الحضور.
تكنولوجيا الامتحان
التعليم في السودان لم يطور بسبب السياسات هكذا بدأ يتحدث إلينا الدكتور علي محمد حمدان عضو اتحاد اصحاب المدارس الخاصة والامين العام السابق يقول بالرغم من ان الدستور الانتقالي تحدث عن التعليم الخاص، لكن لا يوجد قانون يحكمه فمازالت اللوائح هي التي تتحكم في الاطر للتعليم الخاص وهذه اللائحة صدرت منذ العام 1997م، ولم تجدد بالرغم من حدوث كثير من التغييرات ويرى ان التصاديق التي تمنح لم تخضع لدراسات متعلقة بالمساحة وعدد السكان ويجب ان يبدأ التصديق من إدارة التخطيط التربوي بالوزارة على حسب حاجة المنطقة.
ويضيف في كل دول العالم يوجد التعليم الخاص لكنه وفق شروط وضوابط، لكن في السودان سواء مدارس حكومية أو خاصة توجد حمى تكنولوجيا الامتحان فالهم الأول هو كيف يؤدي الطالب الامتحان ويتفوق فهذه ظاهرة غير حميدة ولها تأثيراتها السالبة على مستقبل الأمة ككل لأن القصد من التعليم ليس من أجل التعليم كذلك مناهجنا يجب اعادة النظر فيه لأننا نعلم الطالب كيف يحفظ ولانعلمه كيف يبحث ومنهجنا كثير ومتكرر وغير مواكب لاحداث القرن الواحد والعشرين ويجب التركيز على اللغتين العربية والانجليزية بالاضافة الى الحاسوب ففي المدارس الخاصة لا توجد حرية في المناهج فهي مقيدة الى حدٍ ما سوى تدريس بعض اللغات «الانجليزية» كذلك وجود الطالب في المدرسة منذ الصباح وحتى الساعة الثالثة ظهراً يؤثر على ذهنية الطالب مع تناوله لوجبة واحدة فقط وبالتالي يصبح مرهقاً ومتعباً ولا يستطيع المراجعة لذا لا بد من النظرفي عطلة السبت بالنسبة للمدارس.
ويقترح – حمدان – عقد مؤتمر عام للتعليم العام والعالي باشراك اولياء الأمور ومنظمات المجتمع المدني واتحاد اصحاب العمل والمنتدى التربوي وجميع المهتمين بقضايا التعليم لوضع حلول لمشاكل التعليم الخاص بالبلاد مع ضرورة سن قانون وليس لائحة يحكم التعليم الخاص بما يتوافق مع الدستور الانتقالي كما لابد من رفع الجبايات المتعددة من على كاهل المدارس الخاصة حتى ترصد هذه الموارد لتطوير المدارس أو ان تدمج كل ثلاث أو اربع مدارس في مدرسة واحدة وتمنح لها قطعة ارض بالاتفاق.
وزارة التربية
الدكتور محمد محيي الدين – مدير إدارة التعليم غير الحكومي بوزارة التربية والتعليم ولاية الخرطوم – يرى ضرورة تخفيف الجبايات المفروضة على كاهل المدارس الخاصة من قبل المحليات ويقول اللائحة لم تجدد حتى الآن نسبة لان قانون التعليم 2009م، الآ في المجلس التشريعي ولم تتم اجازته حتى الآن ويضيف من شروط فتح المدارس الخاصة المقدرة المالية وحتى هذا البند تجاوزنا عنه اسوة بالمعلم فبلغت المدارس الخاصة (1273) مدرسة خاصة بولاية الخرطوم هذه المدارس انتشرت نسبة للحاجة والتوسع في نشر التعليم ففي المرحلة القادمة نسعى الى تطوير هذه المدارس والجودة في البيئة المدرسية والاكاديميات لذا تم تجميد (417) مدرسة ونظرنا في (205) طلب استئناف، (95) مدرسة وافقنا على حصولهم على قطعة الارض وباقي المدارس كوَّنت لها لجان على مستوى المحليات من قبل المجلس الاعلى للتعليم ومن خلال واقع تلك المدارس تعطي الموافقة بالدراسة، أما بالنسبة للتصديق فالتصديق المبدئى لمدة عامين والموافقة للدراسة لمدة خمس سنوات وقرار التجميد لا ينفذ إلاّ بعد ثلاث سنوات وبالتالي تصبح مدتها عشر سنوات.
وحول الرسوم التي تؤخذ من كل طالب الـ (2%) سنوياً فحسب قانون المدارس غير الحكومية لا تتحمل الدولة اي عبء مالي في انشائها وتسيير نشاطها وبهذه الرسوم تقوم الوزارة بتقديم خدمات للمدارس متمثلة في الاشراف «بتعيين مشرفين عليها» وخدمات التوجيه بالاضافة الى النشاطات والمشاركات وتكوين اللجان، أما بالنسبة لحرية المناهج فهي سياسة دولة وضعت للتعليم الحكومي والخاص.
منال حسين :الراي العام