أخيرا مال (دفع الله) لكثرة ما (نق) اخوته واخواته، وصبوا في اذنيه من محاذير ان يموت مقطوع الخلف، حرصا على خاطر (ثريا) من ان يكدر بـ ضرة بعد خمس عشرة عاما من العشرة الطويلة الممتازة ..
تزوجها في اول تبّتها بعد جلوسها لامتحان الثانوية العامة وهي لم تتجاوز الخامسة عشر، يومها وبطيب خاطر ضحت باحلامها وطموحاتها العريضة في الوصول لـ العالي ثم الدخول للجامعة، عندما صارحها بعد شهر العسل بـ نخته عن الوفاء بوعده لوالدها بأن يسمح لها باكمال تعليمها، فجل ما يريده منها ان تعمر له البيت بالكثير من البنين والبنات، ولكن شاءت ارادة المولى أن تؤجل هذه الامنية الى حين، فبالرغم من ان اطباء الخرطوم الذين اكثروا من المساسقة لعياداتهم بحثا عن بارقة امل، قد حرروا لهم الاثنين شهادة خلو طرف من موانع الحمل – فلم يكن به او بها عيب يمنع الخلفة – ولكن لكل اجل كتاب ..
اقتنع (دفع الله) اخيرا بخوض تجربة الزواج مرة اخرى، عشما في ان تتاح له الفرصة ليهنأ بتربية ابنائه قبل أن يوهن الجسم منه ويشتعل الرأس شيبا، ولكنه اصر على استصحاب رضى (ثريا) في تلك الرحلة التي اشترط موافقتها على كل خطواتها، بدءا من اختيار العروس وحتى الاشراف على لوازم الفرح وترتيباته .. شاركت في تلك الاستعدادت بقلب كسير ولكنه راض بالامر الواقع، فالخيارات البديلة في قريتها الساكنة الوادعة كانت تدعوها لان (تشرب من البحر)، ان لم ترض بمشاركة قسمتها مع شابة صغيرة أخرى لها فرصة أكبر في الانجاب ..
لم تدري ماهو السبب في الوهن والفتور الذي عانت منه طوال ايام التحضيرات للزيجة، وعزته لشعورها بالتعب والارهاق من مشاعرها المتضاربة بالحزن والغيرة والتظاهر بالقبول حتى لا تفسد لـ (دفع الله)، محاولته ادعاء النزاهة في التعامل معها من اجل اراحة ضميره الذي يحاصره بتهمة (اخدت بت الناس لحم وداير ترميها عضم) ..
بعد انتهاء مراسم الزواج ومع بداية الحفل الساهر سقطت كجزع نخلة يابس .. حملها اهلها لـ مركز القرية الصحي سرا حتى لا يفسدوا للعريس ليلته، فأفتاهم الفحّيص بعد ان ارسلهم له الطبيب بأنها حامل ..
لم يصدق (دفع الله) الخبر عندما سمعه في اليوم التالي واعتبرها حركة حريمة، ولكن كثرة الاعياء والغثيان التي استمرت مع (ثريا)، دفعته اشفاقا ان يحملها الى الخرطوم، وهناك اكد له الاطباء حملها الذي دخل شهره الثاني ..
كان حمل (ثريا) بعد كل تلك السنوات حدثا غريبا تداولته مجالس القرية طويلا، كما تداولت حرج وضع (دفع الله) مع العروسة الجديدة التي لم يعد لها عازة .. تلك الفكرة التي طالما راودت (ثريا) وفكرت في ان تطرحها عليه لولا مخافة من الله، ولكن خبر حمل العروسة قتل كل تلك التكهنات والافتراضات في مهدها، بعد ان فرجت من اوسع الابواب وتضاعفت البشريات ..
مرت سنوات اعقبتها سنوات، مارست فيها الضرتين سباق الانتاج .. ثريا بدافع ملاحقة اخر سنوات خصوبتها، والعروسة مدفوعة برغبة في تثبيت مقعد الاحتياطي، فكان نتاج ذلك التسابق الشرس ان يمر الحول على دفع الله بـ (زولين) .. وقبل مرور عقد من الزمان كان حصيلته فيها دستة ونصف من العيال ..
الغريبة، ان حالة (دفع الله) بعد ذلك الانفجار السكاني، اكدت بأن الانسان كائن (لا بعجبو العجب ولا الصيام في رجب)، ذلك لانه صار يعاني من البشتنة والتهميش الممنهج بعد سنوات من راحة البال التي نعم فيها برعاية وتدليل (ثريا)، وشيلها له بين كفوف الراحة .. ضجيج الشفّع اقلق قيلولاته وحرمه من رفاهية الانجقادة، ونوناي الرضّع اطال عليه الليل سهرا وقلقلة .. دا عيان .. دا بسنن .. دا جاتو ملاريا .. دا دقا اخوهو … كل ذلك كان كوما وفعائل الضرائر فيه وفي بعضهن البعض كان كوما آخر ..
مخرج:
مع طول اشتهاء (دفع الله) لـ الروقة وهداوة البال، مال مرة ثانية لاعادة التجربة، بحثا عن مهرب من كل هذا الضجيج، وبحثا عن دار جديدة للرعاية والحنان، كان زواجه الثالث الذي حرص حتى لا يتمقلب ان يكون من مطلقة (أكد) لزوجها السابق الاطباء، وجود مانع خلقى تستحيل معه امكانية الانجاب .. تزوجها و(اتخذ) عندها (متلبدا) يلجأ اليه كلما حاصرته دوشة العيال .. عشان يبرد اضانو !!
[/JUSTIFY]
منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]