“سيدة الشاشة” والزمن: 5 مراحل عمرية في مشوار فاتن حمامة الفني

«دي شطارة الفنان، يعني في فنان ممكن يكون كويس أوي لكن انما ما يعيشي فنيا كتير، وفي فنان تاني ممكن يعيش مدة اطول لانه عارف إمتى يدي الفن دا وإمتى وإمتى يتوقف شوية وإمتى يديله تاني، عارف إزاي يمشي مستقبله فبيعيش مدة أطول في قلوب الناس».

كلمات قليلة ربما لم تلفت نظر الكثيرين حين صرحت بها سيدة الشاشة العربية «فاتن حمامة» في لقاء إذاعي مع الكاتب الكبير يوسف إدريس، إلا أن عباراتها على ما حملت من مباشرة وبساطة فإنها تعد مفتاح سري لخلطة النجاح التى ضمنت لـ«فاتن حمامة» التربع في قلوب مشاهديها طوال عقود طويلة من الإبداع الفني وباختلاف ما قدمت من قوالب سينمائية.

فبعجلة قيادة منضبطة وتروي في الأداء والاختيار لم يمر أحد أدوار سيدة الشاشة دون أن يعلق بذاكرة جماهيرها، كما لم يوضع دور بغير محله أو ترتيبه السليم على درجات مشوار فاتن حمامة الفني، والذي بدأته طفلة مشاغبة رقيقة، وأنهته سيدة ناضجة مهتمة بنقل رسائل القيم للأجيال الجديدة بدون تكلف أو اصطناع، لتبتعد عن ساحة العمل الفني بخروج مبكر في أعين البعض، بينما مثل للبعض الآخر لون جديد للحكمة وتطبيق آخر لخلطة النجاح السرية التي يبدو أنها تمتلك مفرداتها.

طفولة مُبشرة

بدأت الفانة فاتن حمامة مشوارها الفني مبكرًا، فلم تكن تتجاوز الـ7 من عمرها حين جذبت انتباه المخرج محمد كريم بذكاء مُبهر وشخصية مميزة أثناء أدائها لدور «أنيسة» جارة الموسيقار محمد عبد الوهاب، والذي غنى للطفلة فاتن وحدها «طول عمري عايش لوحدي» ضمن أحداث فيلم «يوم سعيد» الذي أسس لبداية مُبشرة للطفلة الصغيرة على الرغم من صغر الدور الذي قدمته.

ولم تكن 6 سنوات تمضي حين عاد محمد كريم للاستعانة بـالشقية الصغيرة فاتن عام 1944 لأداء دور «نجوى» شقيقة الفنانة راقية إبراهيم في فيلم «رصاصة في القلب»، ليترتبط ظهورها مرة اخرى باسم موسيقار الأجيال، على الرغم من انشغالها باللعب مع كلبها الصغيروالضحك واللهو في معظم أحداث الفيلم.

ولقوة وتميز بدايتها لم تنقطع فاتن حمامة عن العمل في السنوات اللاحقة بل ظلت طوال سنوات مراهقتها تكبر ببطىء أمام الشاشة متعاونة مع الفنان الكبير يوسف وهبي في عدة أفلام أشهرها «القناع الأحمر»، و«ملاك الرحمة» وكذلك مع المخرج عز الدين ذو الفقار في فيلم «خلود»، مرورًا بالمخرج الكبير حسن الإمام في «اليتيمتين»، لتعتبر فترة مراهقتها فترة إعداد قاسي لما انتظرها في السنوات اللاحقة من مهمات فنية معقدة خاضتها بسلاسة وإبداع.

شابة الشاشات

مع بداية الخمسينيات كان لـ«فاتن» ان تبدأ مرحلة جديدة في مسيرتها الفنية، لا تستوجب افتعال الطفلولة ولا ادعاء صغر السن، ففي ربيع العمر وبالتعاون مع مجموعة من أفضل مخرجي السينما المصرية بدأ مشوار الممثلة الشابة مع البطولة السينمائية بعدد كبير من الادوار التى مثلت مجد الرومانسية المصرية وأروع كلاسيكياتها على مدار العقد كاملًا، فهي تارة كسيرة القلب بعد خداع ابن الأغنياء في «موعد مع السعادة» عام 1954 وأخرى تصمد خلال تقلبات تعصف بحبيبها في قريتهم بجنوب الوادي في أحد أروع كلايسكيات السينما المصرية التى أخرجها يوسف شاهين «صراع في الوادي».

ومابين «القلب له أحكام»، و«أيامنا الحلوة»، و«موعد مع الحياة»، و«لحن الخلود» و«سيدة القصر»، احتفظت فاتن حامة بنمط الفتاة المصرية العشرينية طيبة القلب التى تصارع الظروف من أجل الحب، ومن أجل حياة أفضل، وتتحدى العقبات بمظهرها الرقيق وما حملت ملامحها من براءة حرمت الجمهور من تخيلها في أي دور مختلف.

نضج فني

لم تودع فاتن حمامة حقبة الخمسينيات وداع تقليدي، بل أنهته معلنة تطور جديد وخطوات أكثر دقة وشدة على طريق المجد، مُنبهة جمهورها أن الشابة الصغيرة شفت طريقها إلى عالم مفتوح أكثر تعقيد وغرابة، فلم يمضي عام 1958 حتي كانت الممثلة الشابة وقتها قد قدمت رائعتين سينمائيتين هما، «بين الأطلال» و«دعاء الكروان» مع المخرجين عز الدين ذو الفقار وهنري بركات، على الترتيب، لتخطو أولى خطواتها في الستينيات بدور أم وزوجة تعيسة تقع في معادلة صعبة بين اختيار المنزل والأسرة واختيار حبها الوحيد في فيلم «نهر الحُب».

وبحلول منتصف الستينيات حققت فاتن حمامة أحد أقوى خطواتها السينمائية، حيث لم تعد بحاجة لأداء دور الشابة الجامعية أو الفتاة تقع في علاقة غرامية مُعقدة، فبوصولها العقد الرابع من العمر أدت أحد أروع أدوارها والذي جسدت خلاله شخصية «عزيزة» الفلاحة المصرية التعيسة التي تضطر إلى قتل وليدها إثر اعتداء أحد أبناء القرية عليها، وهو ما لم تُصرح به لما تعانية وحدة وما تتحمل من مسؤليات تحملها عن زوج مريض يلازم الفراش.

وعلى الرغم من قلة ما قدمت للسينما خلال فترة الستينيات، إلا أن ماتركت لم يمثل خطوات هامة وتحول في مشوارها الفني فقط، بل علامات مضيئة كتبت سطور في بطاقة تعريف السينما المصرية.

فاتن حمامة – الحرام

بهموم الأسرة والأبناء والمجتمع ظهرت فاتن حمامة بوجه جديد مع بداية السبيعينيات، لا تحمل هموم الوطن وحيدا أو العشاق فقط، بل تحمل للمشاهد توليفة مصرية معقدة يصادفها يوميًا في محيط المعارف، وفي الشوارع والميادين ومع الأبناء وعلى صفحات الجرائد، فعانت بين المُسلم والقابل للنقاش، وبين الماضي والحاضر، السلطة والجماهير، في تركبية معقدة عُرضت في إطار اجتماعي خفيف خلال أحداث فيلم «إمبراطوية ميم» الذي تبحث فيه كأم أ عن فرصة جديدة للحب بينما تعبث قصص 5 أبناء بذهنها طوال الوقت، أما الفقر وعبثية الحياة فواجهتها بحسم وقوة في رائعة هنري بركات «أفواه وأرانب» بدور «نعمة» السيدة المصرية في شقائها وبحثها عن فرصة لحياة كريمة بعيدة المنال.

أما قضية آلاف السيدات في الربوع المصرية ممن يبحثن عن حل للهروب من قبضة زوج يتعنت في النطق بكلمة الطلاق بعد انهيار قدسية الزواج، فقد تعاونت مع المخرج سعيد مرزوق على طرحها للجماهير من قاعات المحاكم في فيلم «أريد حلًا» الذي اُنتج عام 1975.

ليلة القبض على فاطمة

ربما بدأت علامات تقدم السن تعرف طريقها إلى ملامح سيدة الشاشة الملائكية، إلا أن الموهبة ظلت نابضة متحركة متفاعل داخلها على مدار السنوات، مما فتح لها طريقًا فنيًا جديدًا أعطى الجمهور فرصة للتعرف على «فاطمة» التي عملت طوال حياتها في محاولة لتوفير حياة كريمة لإخواتها كي يتهمها أخيها بالجنون بعد وصوله لمراتب السلطة. وبوصول سيدة الشاشة لعامها الـ57 استقبلت حفيد سينمائي خلال تعاونها مع «خيري بشارة» لنقل قصة «عائشة»، الأرملة التي تكدح من أجل حماية أبنائها الخمسة.

أما مربية الأجيال «حكمت» فقد تعرف عليها الجمهور خلال العمل التليفزيوني «ضمير أبلة حكمت»، حيث ظهرت في دور ناظرة مدرسة تدعم الأخلاقيات والقيم الموروثة؛ إلا أنها ما تلبث أن تواجه عقبات في ظل مجتمع سريع التغير.

وعلى الرغم من تميز فاتن حمامة حتى آخر أعمالها في كل من فيلم «أرض الأحلام» ومسلسل «وجه القمر»؛ إلا انها قررت مع بداية الألفية الجديدة الاكتفاء برصيدها الضخم، والانسحاب من المشهد محتجبة عن جمهورها الذي ظل متشوقاً لعمل جديد لـ«سيدة الشاشة»، لم يأتي أبدًا.

المصري اليوم
Exit mobile version