ولكن قبيل الغوص مسافة 40 عاماً بين دفتي كتاب التاريخ، نشير إلى أن مجلس شؤون الأحزاب السياسية أمهل حزب الأمة القومي أسبوعاً للرد على مطالبات لجهاز الأمن والمخابرات الوطني بحل أو تجميد الحزب الحائز على أكثرية مقاعد البرلمان في الديمقراطية الثالثة، تأسيساً على اتهامات تتصل بمظاهرة الحركات المسلحة في مساعيها لتقويض النظام الدستوري.
وبالعودة القهقهري إلى 1965م، تمالأت أحزاب الوطني الاتحادي، والأمة، وجبهة الميثاق الاسلامي لطرد نواب الحزب الشيوعي السوداني من البرلمان بناء على حادثة معهد المعلمين الشهيرة أو قل حادثة “الطالب شوقي محمد علي”، الذي يُشاع أنه شكك في حادثة الإفك.
ومع نجاح الشيوعي في انتزاع أمر قضائي يبطل قرار حله، فإن حكومة “الديمقراطية الثانية” أصرت على طرد الشيوعيين من البرلمان، وأمرت بحل شيخ اليسار السوداني، الأمر الذي دفع إلى حوادث جسام جعلت الحزب يلتجئ لخيار الانقلاب العسكري المايوي، وهو خيار كانت له مترتباته الوخيمة التي يدفع الشيوعي فاتورتها، وما يزال.
وفي ربط بين واقعة حل الشيوعي ومطالبة الأمن بحل الأمة، تنهض دفوعات ذرائعية قدمها الإمام الصادق المهدي لسفه الحكومة قرارات المحكمة العليا في العام 1965م والقاضية بإبطال طرد النواب الشيوعيين من البرلمان، إذْ قال يومها (إن حكم المحكمة العليا حكم تقريري) أي أنه غير ملزم.
واليوم يدنو الإمام من ذات الكأس التي تجرعها الشيوعي قبيل أربعة عقود، حيث أنه في حال قرر الحزب الاستعصام بعدم الرد على شكوى المجلس أو قدم دفوعات غير مقنعة أو إن أيدت المحكمة الدستورية توصية الأمن، فوقتها ستحيق بالأمة نتائج وخيمة، سنعرض لها لاحقا.
وقبيل الوصول إلى النتائج تلزمنا الإشارة إلى أن الكيانات المنقلبة على الديمقراطيات في السودان، اعتادت على حل الأحزاب، ومنع الأنشطة السياسية، ضمن أولى مراسيمها وفرماناتها المزدانة بخلفيات موسيقى عسكرية.
حدث ذلك حين وصل الفريق إبراهيم عبود في العام 1959م، وحين حل المشير جعفر نميري في العام 1969م، وكذلك حينما خيم الإسلاميون مع انقلاب المشير عمر البشير في العام 1989م.
وعلاوة على قرارات الحل الصادرة عن حكومات، تبرز نوعية أخرى من الحل ويمكن وصفها بالمتعسفة، كهاتيك التي تعرض لها الحزب الجمهوري مع اعدام زعيمه الأستاذ محمود محمد طه في العام 1985م، حيث حورب الفكر الجمهوري بدعاوى ما تزال ماضية وتم الحؤول بموجبها دون تسجيل الحزب أخيرا.
وبالعودة إلى المترتبات الوخيمة لحل الأحزاب السياسية، نجد أن الخطوة قد تدفع القوى السياسية إلى سلوك درب السلطة عبر وسيلة الانقلاب العسكري (الشيوعيين في 1969م) أو محاولة إزاحة السلطان الحاكم بوسائل عنيفة (الجبهة الوطنية، التجمع الوطني الديمقراطي).
من ضمن المترتبات التي تحوق بالساحة السياسية جراء قرار حل الأحزاب -كذلك- يستبين لجوء الأحزاب ذات الفاعلية إلى العمل السري، وهو ما يجعلها تدفع نتائجاً كارثية على مستوى هياكلها وتكويناتها، وديمقراطية العمل في داخلها بطريقة تُعيق قيام مؤتمراتها وتكرس للهيمنة والانفراد بالرأي، وذلك في غالبية الحالات التي عرفها التاريخ السوداني.
أما إن أردنا معرفة أكثر النتائج وقعاً وفداحة على الأحزاب المحلولة، فمالنا إلّا أثر غيبتها عن جماهيرها لفترات طويلة بصورة تصيب علاقات (الحزب وجماهيريه) بفتور بائن، يظهر في أي انتخابات يخوّل للجميع خوضها. ودون كثير تفاصيل تتصل بملابسات انتخابات العام 2010م، نشير إلى الدهشة الكبيرة التي علت وجه رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، زعيم الختمية، مولانا محمد عثمان الميرغني، وهو يرى سقوط حزبه المريع في شرق السودان، حد أن تساءل عن المكان الذي ذهبت إليه أصوات ناخبيه بقوله: (أأبتلعهم القاش)؟.
مقداد خالد: صحيفة الصيحة
[/JUSTIFY]