يقال والعهدة على الراوي.. إن السيد والي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر.. كان بصدد الاتصال بوزير الصحة الولائي للتشاور معه في أن تصدر وزارته بيانا حول تداعيات موجة البرد ومضاعفاتها.. لتؤسس عليه الولاية قرارا بتعديل برنامج اليوم الدراسي.. وحين تناول السيد الوالي هاتفه الشخصي للاتصال بوزير الصحة شعر بتجمد أطرافه من البرد.. فما كان منه إلا وأن عدل عن رأيه.. فاتصل بوزير التربية مباشرة ليطلب إليه اتخاذ الإجراءات اللازمة بتعديل برنامج اليوم الدراسي.. قد تكون الواقعة صحيحة.. وقد تكون مجرد طرفة.. ولكنها في نهاية الأمر تعكس مؤشرا إيجابيا يظل مفقودا في كثير من الأحيان.. وهو سرعة اتخاذ القرار.. أو اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.. وهو أمر يستحق التقدير والثناء.. فليس مطلوبا دائما من المسؤول أن ينتظر مرؤوسيه كي يبحثوا وينقبوا ويدرسوا.. ويدبجوا التقارير.. ثم يرفعوها لسيادته.. وليس مطلوبا من المسؤول أن يكون مثل القاضي.. فإذا كانت جل التشريعات تحظر على القضاة استخدام ما يعرف بالعلم الشخصي في المداولات أو إصدار الأحكام.. فإنها تختلف في حال المسؤولين.. بل إن حال المسؤولين ينطبق عليه ما ينطبق على موضوع العلم القضائي بالنسبة للقاضي.. الذي تجيز له التشريعات أن يأخذ بها سواءً طلبت الأطراف أو لم تطلب في المحكمة.. ولعل من الطرائف أن المشرعين والفقهاء والمفكرين.. حين يعددون نماذج لما يمكن أن يدخل في باب العلم القضائي.. فهم يبدأون عادة بحالة الطقس.. إذن فقد أخذ الوالي بقاعدة العلم القضائي.. إن صحت الرواية.. وإن لم تصح أيضا.. فالمحسوب لحكومة الولاية أنها اتخذت قرارا صائبا في حينه.
وليت إحساس الحكومة بالبرد يمتد لمجالات أخرى.. تهم كل مواطن.. في أي موقع.. فمعاش الناس يظل واحدا من الهموم المقيمة.. طوال العام.. ولكن الشتاء يختلف.. حيث يكون الإنسان في حاجة لمزيد من الطاقة.. وبالتالي لمزيد من الغذاء.. فمن المسلم به علمياً أن الجسم كي يقاوم البرد يقوم باستهلاك نسبة أكبر من السعرات الحرارية فيعمل الجسم على حرق الدهون ليحافظ على درجة حرارته.. وكلما كان الجو أبرد حرق الجسم طاقة أكبر.. ورغم آخر صيحات التخسيس التي باتت تعتمد على البرد في إنقاص الوزن.. حيث أن نظرية البرد معمول بها في ألمانيا وفرنسا.. وأصبحت (الساونا الثلجية) هي أحدث صرعات التخسيس والعلاج الطبيعي.. إلا أن هذا ترف لا شأن لنا به.. بل الواقع أن هذه الأجساد الكليلة تزداد حاجتها للغذاء في الشتاء لمجابهة تزايد حاجة الجسم لمزيد من الطاقة.
فليت عبقرية الوالي وهمة حكومته.. تتجه قليلا نحو السوق أيضا.. والمسألة ليست عصية على كل حال.. فللولاية تجارب عديدة.. وخبرات لا بأس بها في تأسيس الأسواق الموسمية.. وفتح منافذ تسويق جديدة تساعد على توفير السلع وتعين المواطن للحصول عليها.. وتمكن الولاية من السيطرة على الأسعار إن لم يكن التحكم فيها.. فإن كان حماس الولاية طاغيا لمثل هذه الأسواق في شهر رمضان.. مع المفارقة أنه شهر ينبغي أن ينصرف فيه الناس عن الأكل والشرب.. فحري بها أن تهتم بالأمر في موسم يصبح فيه الأكل ضرورة.. كما أن الاهتمام بمراقبة حركة المركبات العامة.. والعناية برفع كفاءة المشافي.. خاصة الحوادث والطوارئ.. كلها من الضرورات التي لا تقل أهمية عن تأخير بداية اليوم الدراسي.. ولن يكون ترفا إن وفرت الولاية للعاملين في مواقع تتطلب طبيعة عملهم التواجد في ذروة البرد ملبوسات وأغذية خاصة.. مجرد اقتراح من.. بردان.!
اليوم التالي
خ.ي