السوداني في عزلته!!

السوداني في عزلته!!
} أغلقت الخطوط الجوية الألمانية مكاتبها بالخرطوم وقطعت خيط الوصل بين فرانكفورت والخرطوم (جوبا)، لتودع (الليفتهانزا) أجواء السودان بعد (51) عاماً من الخدمة والتواصل بين الشعب الألماني والسوداني.. وسبقتها للخطوة ذاتها شركات طيران أوروبية شهيرة منها الهولندية والبريطانية والإيطالية، وأصبح التواصل جوياً بين الخرطوم وأوروبا عبر مصر أو الإمارات أو قطر وأخيراً تركيا.. وطبقاً لواقع (حالنا) الذي لا يخفي على العالم إن كان خافياً على المواطن العادي، فإن شركات طيران أخرى ربما توقفت عن التحليق في سماء السودان لثلاثة أسباب: أولاً تكلفة التشغيل العالية وقلة عدد المسافرين من السودان لأوروبا مباشرة.. واتخاذ أغلب العابرين من أفريقيا لأوروبا وجهات وعواصم أخرى، وثالثاً أزمة وقود الطائرات والارتفاع الكبير جداً في أسعار المحروقات في السودان بسبب الزيادات الكبيرة التي تفرضها الحكومة على المحروقات بغية الحصول على المال لتوظيفه في الصرف على نفسها.
} قد يعتبر الكثيرون مقاطعة وعزلة السودان الخارجية قضية ثانوية لا تشكل أهمية تذكر، وقبل يومين تحدثت لأحد الوزراء الكبار جداً في الحكومة الجديدة عن عزلتنا الخارجية والحصار المفروض على البلاد وأثره على الصناعة وتكنولوجيا الاتصالات وحتى خدمة (القوقل أيرث) ققال الوزير بلهجة استعلائية موغلة في قصر النظر: صحيح هناك حصار ومقاطعة لكن أطمئنك كل ذلك لن يسقط الحكومة!! فقلت له فتطمئن أنت يا سيد الوزير!!
} الحصار الذي أحكمت حلقاته على بلادنا له أسباب بعضها من صنع أيدينا وآخر لا يد لنا فيه.. ولكن أن تتوقف الرحلات الجوية نهائياً بين كل أوروبا والسودان فإنه لأمر مفزع ومؤسف وتطور سالب في علاقتنا بالآخرين، ودول صغيرة مثل جيبوتي وأفريقيا الوسطى ويوغندا وتنزانيا على الأقل هناك رحلة واحدة بين تلك العواصم وأي البلدان الأوروبية في الأسبوع.. أما أن تنقطع صلتنا بأوروبا ككتلة جغرافية واجتماعية وسياسية وثقافية، فالعالم اليوم تشكله المصالح المتداخلة والتواصل والتعاون ونحن ننشد ونتطلع للاستثمار الأجنبي، فكيف ينهض الاستثمار ووطننا محاصر بأخطائنا ومحاصر بجور الآخرين!!
} إذا كان بعض المسؤولين في الحكومة يفكرون بمنطق من لا يهز عرش سلطتنا ولا يفقدنا كراسي حكمنا لن يؤثر علينا، فتلك مصيبة كُبرى.. وللسودان وزارة خارجية يفترض أنها قيمة على مصالح شعبها وتسعى لفتح قنوات التواصل مع الآخر.. ولكن واقع وزارة الخارجية اليوم عبر عنه الوزير “علي كرتي” نفسه حينما رست السفن الإيرانية في مياه السودان بالبحر الأحمر ونفى الوزير علمه بالجهة التي منحت إيران الضوء الأخضر لترسو سفنها في مياه البحر.. وحتى عهد قريب كانت العلاقة مع دولة جنوب السودان تتم إدارتها من مكتب فرعي بالقصر الجمهوري ومن خلال وزير دولة لا يتبع للخارجية، هو “إدريس محمد عبد القادر” الذي ذهب في التشكيل الأخير لاستراحة قد تطول أو تقصر، بينما الصحيح والمطلوب والطبيعي أن تدار العلاقة الثنائية مع دولة الجنوب من خلال وزارة الخارجية.
} العزلة التي يعيشها السودان حالياً هي عزلة حقيقية وليست متوهمة كما يعتقد البعض، وحتى الدول العربية أصبحت تشرط علينا روشتة علاج داخلية ينبغي لنا أتباعها نظير (دعمنا) مالياً في أزماتنا الاقتصادية التي (ستقعد) بلادنا عن القيام بأي دور بل ستصبح الحكومة عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها اتجاه مواطنيها إن لم تفكر جدياً في علاج الأسباب التي أدت لأزماتنا الاقتصادية الراهنة.
} أن نخسر (تحليق) الخطوط الجوية الألمانية في بداية هذا العام.. وحتى الشركات الوطنية (مارسلاند) مثالاً تتوقف عن التحليق الداخلي، فالقضية تستوجب الحل وقدراً من الجدية.. لأن مصالح البلاد أخذت تهدر ولا تراعى وبعض مسؤولي الحكومة يفكرون بمنطق (ما دمنا في الكراسي قابعين فكل ما دون ذلك يهون).
(ِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).

الكاتب : يوسف عبد المنان
خارج النص – صحيفة المجهر السياسي

Exit mobile version