* وما زلت أذكر كذلك كيف حفيت اقدامي وانا ابحث عن روايات الطيب صالح في الخرطوم قبل خمسة عشر عاماً، ولم أجد إلا نسخة واحدة قديمة من رواية احد (موسم الهجرة الى الشمال) في مكتبة الآداب بجامعة الخرطوم، استعرتها بطريقة خاصة، وصورتها، واعدتها مرة اخرى.. ووجدت نسختين من (دومة ود حامد)… اما ما عدا ذلك فلم اجد شيئاً، ولا حتى باللغات الاخرى..
وذكر لي احد الموظفين.. ان بعض الاشخاص حضروا الى المكتبة واخذوا كل النسخ الموجودة من (رواية موسم الهجرة).. ولم يعيدوها مرة اخرى.. وذكر لي ان هؤلاء الاشخاص كانوا من اساتذة الجامعة.. وكان ذلك في الاعوام الاولى لعقد التسعينيات من القرن الماضي.. ايام كانت (ثورة) التعليم في اوج ازدهارها!
* والآن.. بعد وفاة الطيب صالح، صار فجأة احد المؤسسين لذلك التنظيم السياسي، ولن استغرب اذا خرج علينا احدهم غداً بانه كان مرشحاً لرئاسة التنظيم، وهاجر من السودان بسبب ملاحقة السلطات الاستعمارية له كونه احد قادة هذا التنظيم!
* قد يكون الطيب صالح صديقا او قريبا من بعض طلاب الجامعة آنذاك، وجمعته معهم بعض الصور الفوتوغرافية القديمة، ثم تفرقت بهم السبل، هاجر الطيب صالح، وانضم البعض للتنظيمات السياسية المختلفة.. كما كانت (الموضة) خلال تلك الحقبة التي تميزت بارتفاع الروح الوطنية، والاستقطاب السياسي الحاد!.
* اما الطيب صالح، فلم يكن يحب السياسة ولم يكن مهموماً بها، ولم تكن احدى الادوات التي يستخدمها في انتقاد الظواهر والمظاهر التي لم يكن يراها صحيحة، وابلغ دليل على ذلك رواياته التي كانت تنتقد كل شيء، ولكن بعيداً عن السياسة ومصطلحاتها وادواتها!!.
* وحتى المقال السياسي الوحيد الذي كتبه في حياته الطيب صالح في بداية التسعينيات، ظل يؤرقه حتى اعتذر عنه بطريقة غير مباشرة في ما بعد!!
* ويأتي الآن من ينسب الطيب صالح الى تنظيم سياسي معين، بعد ان مات الطيب صالح، ولم يعد بامكانه الحديث عن نفسه!!
* الطيب صالح عظيم بأدبه الراقي، وانتمائه الوطني، وليس بالانتماء السياسي المزعوم!!
drzoheirali@yahoo.com
مناظير – صحيفة السوداني – العدد رقم: 1183 2009-02-27