برلمان يجمع بين الأخوين والرجل وزوجته.. و(الحوازمة) و(الحسانية) غياباً!!
اختار المؤتمر الوطني مرشحيه للدوائر الجغرافية والتمثيل النسبي والمرأة بعد إجراءات طويلة وتدقيق شديد وإعمال لموازين الجهوية والقبلية التي مهما حاول المؤتمر الوطني إخفاءها أو التنكر لها تظل شاخصة على أرض الواقع، ومحاولة إنكارها ونفيها كالذي يدعي نجاحاً في تغطية قرص الشمس بأصابع يديه.. وما بين إعلانات المؤتمر الوطني بعزمه تجديد مفاصله، وتبديل برامجه، وتداول المواقع والمنافع بين عضويته.. ومن الخوف والجزع من التفاسير وتفاسير التفاسير، اختار المؤتمر الوطني مرشحيه للانتخابات القادمة في (أبريل)، وعادت أغلب قيادات الحزب التاريخية باستثناء أسماء محدودة جداً لم تتعدَ أصابع اليدين غابت عن القائمة التي أعلنها البروفيسور “غندور”، ولا يزال أمامها فرصة الالتحاق بالهيئة التشريعية من خلال مجلس الولايات الذي تمت زيادة عضويته ليصبح لكل ولاية ثلاثة ممثلين بدلاً عن اثنين فقط.. ومن تجاوزه قطار المجلس الوطني قد يمتطي (ترمبيل) مجلس الولايات!!
وإذا كانت وجوه مثل مولانا “أحمد إبراهيم الطاهر”، والشيخ “أحمد عبد الرحمن”، وبروفيسور “سعاد الفاتح البدوي”.. والمهندس “هجو قسم السيد” نائب رئيس المجلس الوطني السابق، والأستاذ “بدوي الخير إدريس” واللواء “إبراهيم نايل إيدام” عضو مجلس قيادة الثورة، إذا كانوا قد غابوا عن المشهد في المجلس الوطني فإن تياراً عريضاً من الشباب لم يشملهم الاختيار لعضوية البرلمان الذي سيغيب عنه “أسامة عبد الله محمد الحسن” الذي وصفه الرئيس “البشير” في منطقة (أم بادر) يوم افتتاح سد (أم بادر) برجل الإنجاز الأول في الإنقاذ، ثم أضاف: (إذا استعصى علينا أمر في شؤون الحكم وتنفيذ المشروعات طلبنا من “أسامة عبد الله” أن يتولى ذلك)، ولم تمض أيام معدودة على تزكية الرئيس “البشير” لـ”أسامة” حتى رشحته بعض الدوائر لخلافة “البشير” في مقعد الرئاسة، إذا بـ”أسامة” يخرج حتى من مجلس الوزراء وسط دهشة حتى الذين وقفوا ضده!! واليوم أيضاً يخرج “أسامة” من عضوية البرلمان مثلما خرج “أحمد إبراهيم الطاهر” وفقدت كردفان تمثيلها في البرلمان، ليصبح ثقل السلطة في البلاد مناصفة بين الشمالية ودارفور، ويصبح نصيب كردفان مثل الجزيرة كلاهما في الهمّ شرق.. وغاب عن المشهد أو غُيّب “الشريف أحمد عمر بدر”، لكن عاد الفريق “صلاح عبد الله قوش” لدائرة مروي محمولاً على أكتاف جماهير المنطقة.. وعودة “صلاح” تمثل بادرة أمل لعودته مرة أخرى للجهاز التنفيذي.. و”صلاح قوش” بخبرته كضابط مخابرات وعقل سياسي يختزن معلومات مهمة عن السودان والمنطقة العربية والأفريقية سيظل مقعده شاغراً في وزارة الخارجية أو الداخلية أو حتى وزارات كالصناعة والتجارة، وقد أثبت الرجل حلماً وصفحاً لم تبدله شهور السجن والاعتقال، وتجاوز عن الصغائر بقلب كبير وإيمان عميق بفكرة عمل من أجلها منذ سنوات الجامعة.. ود. “غندور” تمسك بشدة بترشيح “صلاح قوش” في دائرة مروي لأن “غندور” سياسي مغسول القلب من الضغائن وترسبات الماضي.. ولكن عودة “قوش” مرة أخرى للبرلمان ستفتح أبواب العودة للجهاز التنفيذي حينما يختار الرئيس حكومته الجديدة في مايو القادم!!
ومن الوجوه الشابة التي دخلت الحكومة وخرجت من المنافسة لمقاعد البرلمان، وزيرا الدولة بالخارجية د. “عبيد محمد عبيد الله”، والوزير “كمال موسى”.. ولم تشفع اعتذارات “علي كرتي” عن الترشح للبرلمان ورفضت اللجنة العليا للانتخابات الاعتذار المكتوب الذي بعث به “علي كرتي” وحملته إلى البرلمان لينوب عن المواطنين.. ولم تشمل عضوية البرلمان من وزارة الدولة “أوشيك” و”الرشيد” (حلايب) وزير الدولة برئاسة الجمهورية، وكذلك “صلاح ونسي” الذي تقدم أيضاً باعتذار مكتوب و”جمال محمود” الذي يعدّ واحداً من مهندسي عملية الاختيار لعضوية المجلس الوطني، وهو شخصية تعمل في صمت وبعيد عن الأضواء وكان مرشحاً في فترة التغييرات الأخيرة لتولي منصب مساعد رئيس الجمهورية ونائب لرئيس حزب المؤتمر الوطني، إلا أن (عامل السن) قد أبعده عن الموقع ليجمع قيادات الوطني على البروفيسور “إبراهيم غندور” كبديل لدكتور “نافع علي نافع”، وقد أثبت “غندور” حتى الآن أنه جدير بالموقع.. وأضاف إليه الكثير (بوسطيته).
ومن القيادات التي خرجت بصورة مفاجئة رجل الأعمال “جمال الوالي” نائب دائرة الجزيرة، وكذلك “عبد الله محمد بابكر” نائب دائرة حنتوب.. و”جمال الوالي” من المقربين جداً للرئيس “عمر البشير”، ويعدّ من صناع القرار في الدولة، لكنه حسبما تقول المصادر مرشح الآن لتولي إدارة مشروع (سكر كنانة) خلفاً للدكتور “محمد المرضي التجاني”.. ومن رجال الأعمال الجدد الذين ضمهم البرلمان الأستاذ “إبراهيم بشير” مالك شركات (أمونيا) للبترول، وهو من الإسلاميين الذين اختاروا ولوج السوق والكدح بعرق الجبين بدلاً عن الوزارات والمؤسسات، وأنفق “إبراهيم بشير” على مشروعات النهضة في شمال كردفان عشرات المليارات من حر ماله.. ويعدّ (متكأ) لأصحاب الحاجات ومن الداعمين الرئيسيين للمؤتمر الوطني من حر ماله، وتم ترشيحه عن دائرة الرهد بدلاً عن رجل أعمال آخر “عبد “الرءوف بابكر سعد”، الذي لم يقدم شيئاً في دورة كاملة بالبرلمان.. وكذلك عاد رجل الأعمال “صديق ودعة” مهندس اتفاقيات السلام مع المتمردين، وأحد الداعمين الرئيسيين لدكتور “التجاني السيسي” و”عثمان يوسف كبر”.. وفي شمال دارفور (غاب) عن الترشيح للبرلمان الشيخ “موسى هلال”.. وقال البروفيسور “غندور” إن ابن عم “هلال” نقيب الصحافيين “الصادق الرزيقي” شاهد على اتصالات جرت بينه وقيادة الحزب حتى قبل المؤتمر الصحافي الذي عقده “غندور” أي أن محاولات الحصول على موافقته لدخول البرلمان ظلت حاضرة و(الوساطات تقوم وتقعد) من أجل عودة “هلال”.. إلا أن المفاجأة الحقيقية ترشيح امرأة “سلمى محمد عيسى”، فكيف يتم استبدال شيخ قبيلة (المحاميد) بامرأة في دائرة جغرافية؟؟ وهل هذا الاختيار مقبول لأهل الدائرة؟؟ أم هو تعبير عن زهدهم في التمثيل؟؟ واحتفظت قبيلة والي شمال دارفور بثلاثة مقاعد برلمانية، الفريق “إبراهيم سليمان” عن دائرة (الفاشر)، وناظر القبيلة وصهر الوالي “كبر” “ياسر الملك أحمداي” بدائرة (مليط الصباح)، ووزير المالية د. “عبده داوود” عن دائرة (الطويشة).. وغابت أسماء من شمال دارفور مثل الشرتاي “آدم صبي التجاني”، و”صالح عبد الله” عن دائرة (أم برو).. وعاد “علي محمود حسب الرسول” عن دائرة (رهيد البردي).. وجاء د. “عبد الرحمن النور الزين” بديلاً عن “السميح الصديق” وزير الصناعة الذي تقدم باعتذاره عن الترشيح رغم إجماع الدائرة عليه.. فيما غادر المشهد البرلماني “أمبدي” الذي ترشح لمنصب الوالي، وكثير من المرشحين لمناصب الولاة فقدوا فرصة دخول البرلمان باستثناء “فضل المولى الهجا” في ولاية سنار، واللواء “محمد مركزو كوكو” الذي كان مرشحاً لمنصب الوالي فأصبح الآن ممثلاً في البرلمان القومي، ومن جنوب دارفور غاب أيضاً د.”حبيب أحمد مختوم” الوالي السابق ورئيس لجنة الشؤون الزراعية.. وإذا كانت ولاية جنوب دارفور تم تمثيلها بعدد (15) دائرة جغرافية فإن ولاية مثل غرب كردفان بها فقط ست دوائر جغرافية، والشمالية أربع دوائر فقط، ونهر النيل ست دوائر.. أي أن جنوب دارفور يعادل سكانها ولايات غرب كردفان والشمالية ونهر النيل.. بينما بلغت دوائر ولاية الخرطوم (26) دائرة جغرافية وست أخرى تنازل عنها المؤتمر الوطني أي (32) دائرة، وهي تمثل كل ولايات كردفان ودارفور والشمالية.. ومن المفارقات أن قبيلة كاملة مثل (الحوازمة) غابت عن البرلمان ولم يمثلها أي نائب في البرلمان، وهذا يحدث لأول مرة في التاريخ منذ أول برلمان عام 1956م وحتى المجلس الحالي، الذي غيب الموت خلاله اثنين من نواب دوائر مناطق (الحوازمة) الشهيد “حامد محمد حامد الأغبش” والشهيد “سليمان قيدوم”، وقد تنازل المؤتمر الوطني عن دائرة (أبو كرشولا) برمزيتها إلى الحركة الشعبية حتى يثبت أن للحركة الشعبية نصيباً وقاعدة فيها.. وقد حصل أحد المشرحين من (الحوازمة) على أعلى الأصوات ولم يحضر، ليستمر غيابهم في الحكومة الولائية والحكومة المركزية التي تضم وزير دولة وحيد د. “علي محمد موسى” في وزارة هامشية.. بينما يمثل الشقيقان المهندس “عبد الله تكس” و”مريم تكس” في البرلمان ويتم تعليق تمثيل (المعاليا) ودائرة (عديلة) و(أبو كارنكا) ريثما يتفق على ذلك.. ويخوض نائب الرئيس “حسبو محمد عبد الرحمن” الانتخابات عن دائرة بحر العرب على تخوم دولة جنوب السودان، ووزير مالية الجنرال “الطيب عبد الكريم” المهندس “جودة دقاش” عن دائرة (الضعين).. وذهبت دائرة (شعيرية) لناظر قبيلة (البرقد) اللواء شرطة (م) “موسى جالس” رئيس المجلس التشريعي بولاية شرق دارفور.. وفي ولاية الخرطوم تم الدفع بوكيل وزارة السياحة “علي محجوب عطا المنان” لينوب عن دائرة (أم درمان وسط)، وهو من سكان محلية كرري، إلا أن دائرة (كرري الشمالية) التي يمثلها “عباس الفادني” في البرلمان المنتهي أجله قد ذهبت للأحزاب وتم تقديم د. “الفاتح عز الدين” رئيس البرلمان لينوب عن سكان دائرة (الأمير الثانية)، و”الفاتح عز الدين” من القيادات الأمدرمانية التي ارتبطت بالقواعد محافظاً وبرلمانياً ورئيساً لمنظمة شباب الوطن، بينما احتفظ سلطان النوبة “عبد الله كافي توتو” بفرصة الفوز بدائرة (دار السلام) و(نيفاشا)، وتمثيل قبيلة (النوبة) أو (قبائل النوبة) في البرلمان القادم يصل إلى سبعة نواب في البرلمان.. وتم اختيار الفريق “أحمد محمد التهامي” لتمثيل دائرة (الريف الشمالي) و(الفتح).. وبعد أن كانت دائرة (الكلاكلة) قد تم التنازل عنها للأحزاب عادت في آخر لحظة بعد نشر (المجهر) لفقدان “الحاج عطا المنان” لمقعده.. وإذا كانت المحاصصات القبلية قد حضرت بكثافة في كل الولايات، فإن د. “عبد الرحمن الخضر” قد جعل التمثيل في ولاية الخرطوم قومياً، “علي محجوب” و”الحاج عطا المنان” من الشمالية تم ترشيحهما في الخرطوم، ومن كردفان تم ترشيح “عبد الله كافي” ود. “عيسى بشرى” عن دائرة (الأزهري)، و”أحمد محمد تاجر” الذي أبعده الجنرال “خميس” عن دائرة (الفولة) فحجز له بروفيسور “غندور” المقعد الذي كان “غندور” يمثله في البرلمان الحالي دائرة (الحلفايا) التي شهدت احتجاجات في الفترة الأخيرة على توزيع الأراضي.
وفازت دائرة (بحري والكدرو) بـ”بدر الدين محمود” وزير المالية الذي كان منتظراً أن يتم ترشيحه من ولاية الجزيرة.. و”عبد الرحمن الخضر” و”عمر باسان” (ظفرا) بتوقيع لاعب مهم في كشوفات ولاية الخرطوم، لكن في يوم ترشيحه أثيرت في مواجهة الرجل قضية رسوم نفايات مزرعة يملكها.. وقيل إن النيابة قد استدعت ممثله.. فإذا كان “بدر الدين محمود” غير قادر على دفع رسوم نفايات مزرعته وهو أمين على مال كل السودان وبيده مفاتيح خزائن أرض السودان فتلك شهادة لصالحه لا عليه.. واحتفظ د. “عوض أحمد الجاز” بدائرة (الجيلي والسليت) التي كان يمثلها في البرلمان الحالي.
وذهبت دائرة (أم ضواً بان) إلى (البادراب) أهل السجادة، وتم اختيار “عمر عبد الرحيم الشيخ ود بدر”.. بينما لا يزال (البطاحين) على وفائهم القديم لرمزهم وكبيرهم وشيخهم “الصديق طلحة”.. وأسندت دائرة (أبو دليق) و(أبو صالح) للأستاذ “محمد المنتصر خالد طلحة”.. و(الخرطوم جنوب) للدكتور “عبد الله سيد أحمد”، وشكل (الرزيقات) حضوراً في دوائر ولاية الخرطوم باختيار “محمد بريمة حسب النبي” تعويضاً عن فقدان المهندس “عبد الله مسار” لدائرة (الثورة الغربية)، وتمت إعادة “مسار” لدائرة (أبو مطارق الفردوس) ليمثل ولايته الأم بدلاً عن ولاية الخرطوم.
وفي دائرة (جبل أولياء) كانت المفاجأة الكبيرة اختيار “عبد الباسط صالح سبدرات” لينوب عن الدائرة بعد أن كان مرجحاً اختيار المقدم “مالك” رئيس لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان الذي تحققت في فترته مكاسب كبيرة جداً للقوات النظامية.. وأيضاً سيغيب عن البرلمان في الدورة القادمة الفريق “مهدي بابو نمر”، الذي لم يرشح في أية دائرة رغم تحالفه الوثيق مع الجنرال “أحمد خميس” والدعم الذي وجده منه ليعود للبرلمان.. لكن ربما كان اختيار “علي حسن نمر” عن دائرة (المجلد) و(أبيي) سبباً في غياب الجنرال “مهدي بابو نمر”.
وفي القائمة القومية كانت مفاجأة “غندور” حاضرة والدهشة تتمدد من شارع المطار حتى أم درمان حينما تم اختيار “سارة أبو” الناشطة إعلامياً وثقافياً واجتماعياً، وتغييب د. “سعاد الفاتح البدوي” ود. “عائشة الغبشاوي” وأخريات من قيادات المؤتمر الوطني مثل “عفاف أحمد عبد الرحمن” ود. “عطيات مصطفى”.. ولم يشكل اختيار الدكتور “عبد القادر سالم” مفاجأة لأحد لعطائه الغني.. وفي ظل غياب (الحوازمة) عن البرلمان فإن ابنهم “عبد القادر” ربما يمثلهم في المؤسسة التشريعية القومية.. وتم إنصاف النواعم الصحافية باختيار الصحافية الصاعدة سياسياً “آمنة السيدح” عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصحافيين وعضو مجلس الشورى القومي.. ومن أكبر مكاسب وحسن الاختيار للبرلمان القادم وجود شخصيات مثل “جوزيف مكين” لتمثيل الطائفة القبطية من جهة وتمثيل الهلالاب كقطب رياضي كبير، وتمثيل أيضاً لرجال المال والأعمال ليشكل وجوده تعويضاً عن غياب “جمال الوالي” وإضافة لـ”إبراهيم بشير” و”علي أبرسي” ورجل أعمال آخر جاء من النيل الأبيض “أحمد عبد الله أحمد” صاحب شركة (إنجاز).. ليصبح البرلمان القادم يمثل تحالفاً عريضاً بين رجال المال والأعمال والناشطين السياسيين وجنرالات القوات النظامية المتقاعدين.. ومثلما شكل (الحوازمة) غياباً عن البرلمان فإن (الحسانية) في النيل الأبيض ذهبت معظم دوائرهم إلى الأحزاب الصديقة والحليفة.. وقد يقبل أصدقاء المؤتمر الوطني على الهدايا والعطايا فرحين بقسمة جاءتهم وهم ما بين الصحو والحلم الجميل.
المجهر السياسي
خ.ي