في مهمة سبر مغازي القرار وأهدافه، انقسم المحللون إلى تيارين؛ تيار يرى أن القرار يأتي في مصلحة الحكومة السودانية، لأنه يمنع دخول مجموعات من المتمردين السودانيين إلى داخل ليبيا للقتال إلى جانب الفصائل الليبية المختلفة، والاستفادة من السلاح والأموال لتمويل حربهم ضد الخرطوم. أو تجيير بعض المجموعات للعمل لصالح الفصائل الليبية، مقابل المساعدات والمال. وإذا صح هذا التحليل، فإن القرار يكون انتصارا للحكومة السودانية في سبيل تأمين وإغلاق الحدود وعدم إتاحة أية فرصة للمتمردين للتسلل إلى داخل الأراضي الليبية.. من جانب آخر تعترض مجموعة أخرى من المراقبين على جدوى هذا التحليل، وتميل إلى تصديق أن القرار الليبي يعتبر ضربة للعلاقات السودانية الليبية بعد مبادرة الرئيس البشير بالتوسط بين الفصائل الليبية المختلفة، والتي انتهت بعقد مؤتمر دول الجوار بالخرطوم الشهر الماضي عقب منبر العلاقات العربية الروسية الذي شرفه وزير خارجية موسكو سيرجي لابروف.
والشاهد على ذلك كما يقول بعض المحللين إن اجتماع دول الجوار الليبي الذي استضافته الخرطوم لم ينجح في احتواء الأزمة، بل تباينت فيه الآراء واتضح فيه الدور التنافسي لدول الجوار، خاصة من قبل مصر التي تشارك دول الخليج الوجهة والهدف في إضعاف المكون الإسلامي في التركيبة السياسية الليبية ودعم قوات خليفة بلقاسم حفتر التي تجد قبولا ومساندة من الغرب، في محاولة لتكرار سيناريو الفريق السيسي في ليبيا باسم حفتر. ويشير مراقبون إلى أن القاهرة عارضت بشدة خط السودان لمعالجة الأزمة الليبية وابتدار حوار وطني بين الفصائل المختلفة تأسيسا على قاعدة البرلمان المنتخب. وما يعضد من سياق هذا التحليل ما كشفته صحيفة (النيويورك تايمز) الأمريكية عن مشاركة سلاحي الجو المصري والإماراتي في قصف أهداف داخل ليبيا لصالح قوات حفتر.
من ناحية أخرى استغرب بعض المحللين خيار السودان الدخول في معركة الوساطة والتسوية السياسية في لبيبا بعد أن اختار أن ينأى بنفسه عن التدخل والوساطة في أزمة جنوب السودان، خاصة وأن موازين القوى الإقليمية وسياسة بعض القوى الدولية في عزل السودان تستهدف في الأساس منع السودان وحرمانه من القيام بأي دور دبلوماسي في المنطقة، قطعاً للطريق أمام زيادة نفوذه الإقليمي، أو إبرازه كقوة سياسية ناهضة للتوسط لحل النزاعات في المنطقة، وهو الدور الذي كانت تقوم به مصر في السابق، إلى جانب أهمية ليبيا السياسية والاقتصادية في الوقت الراهن بالنسبة للقوى الدولية، كما أن الدول الكبرى تعارض أي نجاح دبلوماسي للرئيس البشير في المحيط الإقليمي من شأنه أن يفك به عزلة السودان. ويتضح البعد الخارجي في القرار الليبي بما أوردته وزارة الداخلية الليبية بقولها إنه اُتُّخذ (بعد معلومات دقيقة تؤكد مشاركة بعض الوافدين من حاملي هذه الجنسيات ضمن الجماعات الإرهابية في بنغازي ومدن غرب ليبيا في أعمال ضد رجال الجيش والشرطة).
يرى بعض المحللين أن القرار الليبي بمنع دخول السودانيين إلى ليبيا ربما تقف وراؤه دول في المنطقة مثل مصر، وذلك لتحقيق هدفين، أحدهما سياسي، والآخر اقتصادي. فالهدف السياسي هو قطع الطريق على السودان لعدم مواصلة وساطته ومنعه من تحقيق أي نجاح في هذا الصدد، لأن منهج السودان يقوم على الحوار الوطني، ومنهج القاهرة وبعض الدول الأخرى يقوم على الفرز السياسي بإخراج القوى الإسلامية ودعم قوات حفتر وحلفائه. أما السبب الاقتصادي، فهو إخراج العمالة السودانية من سوق العمل الليبي الواعد رغم المخاطر الأمنية. ورغم تباعد منهج التحليلين من أن القرار الليبي يخدم أهداف الحكومة في قطع الطريق أمام التمرد من الدخول إلى ليبيا أو أنه تم بتأثير إقليمي لحرمان السودان من مواصلة جهوده في الوساطة بين الأطراف الليبية، إلا أن القرار الليبي يظل نقطة فارقة في العلاقات بين البلدين في هذه اللحظة الراهنة التي تعاني فيها ليبيا من الفوضى وخطر الانحدار إلى الحرب الأهلية الشاملة. ولا شك أن المتضرر الأول بعد الشعب الليبي هو السودان، تماما كما عانى من قبل أثناء فترة حكم العقيد معمر القذافي
اليوم التالي
خ.ي