لا أحد يذكر متى شيد معسكر شجراب أو بالأحرى متى نصبت أولى خيامه لأول الفارين من القتال، لكن بالطبع يعرف الجميع أن المعسكر الآن أصبح مجتمعا له ثقافته وقانونه، يعودون إليه كآخر نقطة تجمع عند تشتتهم في غمار زحفهم نحو الملاجئ الأوروبية، تماما بذات قاعدة الكشافة التي يحكيها جابر.
وبحسب إحصائيات أممية فإن نحو 600 شخص يعبرون الحدود يوميا من أريتريا إلى الحدود السودانية ليتكدسوا في الشجراب، وليس المهم في رحلتهم هذه الأسباب التي اضطرتهم لمغادرة بلادهم، بل كونهم محظوظين، لأنهم نجوا بحياتهم بعد رحلة مليئة بالاستغلال الجسدي والجنسي، لأن آخرين مثلهم لقوا حتفهم بيد العصابات التي يصطلح عليها عالميا بعصابات (الاتجار بالبشر) التي تنشط في تهريبهم ولا تتورع في المتاجرة بأعضاء زبائنها.
ومع تزايد نسبة الزحف بدأت المنظمة الأممية والدول الغربية تلتفت إلى حدود السودان الشرقية، أو قل الشجراب، كأكبر معبر ومصدر للهجرة غير الشرعية إلى الساحل الأوروبي والحدود الإسرائيلية أيضا. فسرعان ما ينفد صبر لاجئي المعسكر على البيروقراطية المتعمدة من المنظمة الأممية والدول الغربية لإعادة توطينهم في الدول الغربية، حيث لا يسعى أحد من اللاجئين إلى الإقامة في السودان الذي لا يتسع بدوره لهذا العبء الأمني والاقتصادي.
وضمن المساعي المشتركة للحد من الأزمة استضافت الخرطوم في أكتوبر الماضي أول مؤتمرا لمكافحة الاتجار بالبشر في منطقة القرن الأفريقي بمشاركة أممية وغربية أهلها أكثر للنظر إليها كدولة مهمة في قضية مهمة، بل يرى البعض أن قرار مجلس جنيف خلال اجتماعاته في سبتمبر الماضي الإبقاء على السودان في البند العاشر عوضا عن البند الرابع في ما يتصل بسجلها في حقوق الإنسان كان حافزا لجهودها في ما يتصل بمكافحة الاتجار بالبشر والتي كانت من ضمنها مصادقة البرلمان على قانون لمكافحة الجريمة في يناير الماضي تتراوح عقوباته ما بين الإعدام والسجن من 5 20 سنة.
ورغم أن الأجهزة الأمنية تعلن من حين لآخر القبض على عناصر من عصابات الاتجار بالبشر وتحرير ضحايا من قبضتهم، إلا أن المؤكد أنه لا حل للمشكلة ما لم تنتف أسبابها في البلدان التي يفر منها اللاجئون إلى شجراب “هرعا من الفقر والحكومات” كما يقول أحد سكان المعسكر الذين غادروه بعد حصوله على فرصة توطين في دولة أوروبية.
فشجراب كما يقول محدثنا: “شيدته أزمات سياسية وسيظل قائما طالما أن هذه الأزمات قائمة”. ولإسناد هذه الرؤية يمكن الاطلاع على ما نقلته وسائل إعلام بالأمس عن محاكمة 160 لاجئا أريتريا على خلفية أعمال شغب في شجراب كانت رد فعل لغرق 8 لاجئين حاولوا التسلل عبر نهر سيتيت أحد فرعي نهر عطبرة، وهم يستقلون قاربا كانت تطارده السلطات ضمن 22 لاجئا سجل بقيتهم كمفقودين وهو ما يشير إلى أن العصابات تنشط في التهريب من المعسكر بذات قدر تهريبها إليه.
وبالطبع لن تكون حادثة التهريب الأخيرة كما لم تكن الأولى، بالنظر إلى الحدود الطويلة التي تصعب مراقبتها وهو ما أقر به وزير الداخلية عند مطالبته لمؤتمر الاتجار بالبشر توفير دعم لبلاده يعينها على الحد من نشاط العصابات في ذات الوقت الذي يؤكد فيه اللاجئ الأريتري أن الإجراءات الأمنية “ليست حلا”.
محمد الخاتم: صحيفة اليوم التالي